أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


البوليفارية

بقلم : ياسر المعادات
31-07-2013 10:17 AM
تشهد دول أمريكا اللاتينية حاليا تحولا هاما في تاريخها من خلال انتهاجها تيارا سياسيا اقتصاديا قوميا يطلق عليه البوليفارية،و هو مصطلح يعود في أصله إلى المحرر الفنزويلي سيمون بوليفار الذي آمن سبقا بوحدة أمريكا اللاتينية رغم أنه فشل في تحقيق ذلك ،و لكن يبدو أن جهود بوليفار لم تذهب أدراج الرياح إذ تلمع هذه الوحدة التي آمن بها كفكرة قد تصبح واقعا لدى أبناء القارة الأمريكية .
قبل أن أتحدث عن الدول التي آمنت بالبوليفارية و أخذت تطبقها شيئا فشيئا لا بأس من العودة إلى الوراء إلى زمن ذاك المحرر العظيم سيمون بوليفار و إلقاء نظرته على تاريخه المجيد، تأثر الفيلسوف الفنزويلي بكتابات جان جاك روسو فسافر إلى فرنسا حيث أقنعه هناك العالم الألماني ألكسندر هومبولت بأن المستعمرات الأسبانية في حالة استعداد للتحرر، فراقت الفكرة لبوليفار وأخذ يمعن النظر في تحرير بلاده و يخطط له، فعاد بوليفار إلى وطنه محملا بتلك الأفكار الثورية واستطاع أن يطيح بالحكم الأسباني في فنزويلا ، و لكن سرعان ما ردت أسبانيا بهجوم استعادت من خلاله السيطرة على البلاد ليغادر بوليفار إلى كولومبيا و يقضي على الحكم الملكي هناك و يتم تسميته رئيسا لكولومبيا، عاد بعدها للاستيلاء على فنزويلا مجددا و طرد الأسبان منها ثم ألحقها بالإكوادور و بيرو ليقيم حلفا ضم هذه الدول و يحرر بعدها بوليفيا التي سميت بهذا الاسم تيمننا بسيمون بوليفار فهذا الرجل حرر بنزعته الثورية 5 من دول أمريكا الجنوبية بقيت لوقت طويل تحت رحمة الاحتلال الأسباني قبل أن يظهر بوليفار بحنكته و قيادته لثوار تلك البلاد و من آرائه الاستشراقية قوله (صحيح أننا تخلصنا من الاستعمار الأسباني، ولكن سيأتي عدو أخطر ) و هو ما حدث بالفعل بقدوم الحكام الديكتاتوريين الذين حكموا تلك البلاد لفترة طويلة و لكن رغم هذا فان شعوب أمريكا الجنوبية تدين بالكثير لهذا الرجل الذي سبق عصره و استطاع أن يوصل هذه الشعوب إلى استرداد جزء من حقوقها التي نهبت من قبل المستعمرين الأسبان فذلك الداهية العسكرية استطاع أن يكبد الأسبان هزائم و خسائر فادحة بأقل عدد و عدة و لكن و رغم كل ما بذله هذا البطل إلا أن أمر الإبقاء على وحدة هذه الدول كان أمرا صعبا لم يفلح به فبدأت هذه الدول تنفصل شيئا فشيئا و هو الأمر الذي لم يستطع بوليفار تحمله لينهي رحلته في أسبانيا التي طردها من القارة و يموت هناك !
مثلما ذكرت نبوءة بوليفار التي تحدث فيها عن قدوم عدو أقوى من الاستعمار الأسباني ألا و هو حكم عدد من الطغاة لهذه الدول مع وجود داعم لهم و حليف استراتيجي يضع يده على الموارد و الثروات التي تعج بها القارة ألا و هي الإمبريالية الأمريكية ،و هو ما استلزم من أبناء القارة خوض النضال التحرري من جديد و لكن هذه المرة ضد مستعمر من نوع جديد يلتحف بغطاء الوطنية فكانت عدد من المحاولات في التخلص من نير هذا الاستعمار الجديد قام بها عدد من أحرار القارة من مثل الرئيس الغواتيمالي خاكوبو أربينيز و الذي وصل إلى سدة الحكم من خلال انتخابات ديموقراطية و شرع بالقيام بعدد من المشاريع الإصلاحية خصوصا الزراعية منها من خلال الحد من الإقطاع الزراعي و توزيع الثروة الزراعية بشكل عادل و هو ما لم يرق للولايات المتحدة حيث قامت بغزو غواتيمالا وتثبيت اليميني الديكتاتوري 'كارلوس كاستيو أرماس' في الحكم و لم تنفع محاولات حثيثة من طبيب شاب أرجنتيني ثائر يدعى 'جيفارا' لتشجيع أربينيز على القتال .
لم يمر وقت طويل قبل أن تبدأ نزعة التحرر من القيود الإمبريالية في التوسع فكان أن اجتمع اجتماع لعدد من الأحرار الكوبيين الشيوعيين في المكسيك تمهيدا للقيام بثورة تطيح بالدكتاتور الكوبي باتيستا و كان على رأس هؤلاء الزعيم الكوبي فيديل كاسترو و كان من بينهم أيضا ذات الطبيب الأرجنتيني تشي جيفارا ،فنزل اثنان و ثمانون رجلا من على متن اليخت غرانما ليخوضوا مغامرة شبه في مستحيلة في السييرا مايسترا و الهافانا توجت بانتزاع السلطة و هروب الدكتاتور باتيستا و لكن هذه النزعة الثورية لم تنتشر في باقي دول أمريكا اللاتينية رغم عدد من المحاولات لعل أبرزها ما قام به تشي جيفارا في بوليفيا قبل أن يلقى حتفه على أيدي الجيش البوليفي بمساعدة من الاستخبارات الأمريكية.
مع انحسار النزعة الثورية ظهر نوع جديد من أنواع التحرر في القارة يتمثل في صعود عدد من القيادات الوطنية القومية المعادية للإمبريالية و الساعية إلى الإصلاح الحقيقي و التوزيع العادل للثروة و كان صعودها عن طريق انتخابات ديموقراطية عكست رغبة هذه الشعوب في التخلص من نير الاستعمار الجديد، و قد برز من هذه القوى الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز و الذي قام بعدد كبير من المشاريع الوطنية و اتخذ عددا كبيرا من القرارات الإصلاحية إضافة إلى تأميمه للنفط و الذي تعد فنزويلا أحد أهم الدول المنتجة له في العالم ،و لكن الأمر كالعادة لم يعجب أحفاد اليانكي فخططوا بالتعاون مع عدد من القيادات العسكرية المتواطئة لانقلاب عسكر نفذ بالفعل و لكنه لم يدم طويلا بسبب انتفاض الشعب الفنزويلي من أجل عودة تشافيز إلى سدة الحكم من جديد لواصل ما بدء به من مشاريع قبل أن توافه المنية و يستلم نائبه نيكولاس مادورو الرئاسة و يعلن استمرار النهج البوليفاري في فنزويلا فور استلامه الحكم ،لم تكن فنزويلا هي الوحدة حيث سارت بوليفيا على نفس النهج البوليفاري فتم انتخاب الرئيس الاشتراكي ايفا موراليس كرئيس للبلاد و هو أول رئيس ينتمي إلى القاطنين الأصلين للقارة ألا وهم الهنود الحمر و قد قام هو الآخر بعدد من المشاريع التأميمية على غرار قطاع النفط و الكهرباء و انتهج المزارع السابق برنامج إصلاح زراعي اقتصادي فاعل،و من هؤلاء أيضا الرئيس الاورغوياني خوسيه موخيكا الذي تبرع براتبه لخزينة دولته و لم يخالف نهج من ذكرتهم سابقا أيضا و الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف اليسارية العمالية على الرغم من أن البرازيل لم تكن في السابق ضمن الحلف البوليفاري كونها كانت مستعمرة برتغالية ،كل هذا ينبىء عن تحول حقيقي لدى هذه القارة نحو هذا المشروع الأممي 'البوليفارية' على الرغم من كل العقبات و العراقيل التي تضعها الإمبريالية الأمريكية أمام هذا المشروع.
على الرغم من كل محاسن البوليفارية كمشروع تحرري قومي إلا أن علها بعض المآخذ على صعيد الحريات العامة و الملكية الفردية و قمع قوى المعارضة و هو ما يستلزم تطوير هذا المشروع لأجل أن يصبح مشروعا شموليا يستوعب أكثر من توجه في نطاق احترام حقوق الإنسان و الحريات العامة ،و قد يكون مبرر هذه الحكومات في هذه الدول هو تعرضها لمؤامرات مستمرة من بعض الخونة المدعومين من أمريكا و لكن هذا الشيء لا برر بأي شكل من الأشكال التعدي على الحرية التي هي أساس هذا المشروع.
تتشابه الظروف الاقتصادية و حتى الاجتماعية إلى حد ما بين هذه الدول و الدول العربية التي تخلصت من استعمار مشابه لما كان في أمريكا اللاتينية و استبدلته باستعمار مماثل أيضا من خلال أنظمة حكم رجعية دكتاتورية تأتمر بأمر الإمبريالية الأمريكية عينها و هو ما يستوجب من 'الشعوب'العربية أخذ عبرة من التجربة البوليفارية و السعي من أجل الخروج بمشروعها التحرري الخاص بعيد عن اتخاذ شكل استعماري جديد .

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012