أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


الثالوث المستحيل " عربيا "

بقلم : قاسم جديتاوي
17-08-2013 12:54 PM

الثالوث المستحيل ' عربيا '
الديمقراطية ، الموارد الطبيعية، والضرائب

هناك اعتقاد عند الكثير من الناس ان اكتشاف موارد طبيعية كالنفط او الغاز او المعادن هي ‘نعمة’ او على الاقل بركة لاقتصاد اي دولة، وأن الخلاف هو فقط على الطريق الامثل لاستغلال هذة الموارد التي اكتشفت. التجارب الماثله للعيان في عدد لا يستهان بة من الدول تفيد بان هذه الموارد قد تبدو نقمة.
درج عدد من الاقتصاديين على تسمية الدول التي تتمتع بوفرة في الموارد الطبيعية بالدول ' الناقلة ' ويقصد بهذا المدلول تلك الدول التي تكون معظم مداخيلها ناجمة عن بيع الموارد الطبيعية وليس عن تحصيل الضرائب من المواطنين.
كنا نظن وليس كل الظن اثم بان الديمقراطية تمنح قوة للحكومات التي يتم انتاخابها في انتخابات حره ونزيهه مرة كل أربع سنوات، ولكن القوة الحقيقية التي تمنح للحكومات هي تلك التي تنالها من خلال الضرائب التي يدفعها المواطنون لها كل يوم. فالسياسيون لا يحتاجون الى اصواتنا فقط ، وانما يحتاجون الى اموالنا ايضا ، وفي الوقت الذي سيظلون منتخبي الشعب بدون اموالنا ، فانهم سيكونون عديمي القوة الحقيقية بدونها.
بينت كثير من الدراسات والابحاث ان الحكومات التي تعتمد مداخيلها بشكل اساسي على بيع الموارد الطبيعية تميل لان تكون اقل انصاتا لاحتياجات المواطنين وخاصة السياسية منها. فالسياسيون في هذه الدول يعرفون انه يمكنهم ان يمولوا نفقات اجهزتهم بواسطة النقل والبيع وهم لا يحتاجون الى شعوب متعلمه ومثقفة، ولا الى قطاع خاص حداثي ومنتج، ولا الى استثمارات او مجتمع مدني متطور. وحين لا يعتمد تمويل الموازنة الحكومية على الضرائب، لا يميل المواطنون الى الاحتجاج ضد الحكومة كما هو الحال في العديد من الدول العربية النفطية وخاصة الخليجية منها.
عندما يثور احتجاج سلمي مدني على وضع ما ، يرد السياسيون عليه باغداق الدعم الحكومي وجعل المواطنين متعلقين باموال الحكومة. نتيجة لذلك تميل هذه الدول ليس للفساد فحسب وانما للضعف الاقتصادي و الاستبداد السياسي والجنوح نحو الدكتاتورية.
' نقمة الموارد الطبيعية' ساهمت في تشكل أنظمة شمولية ، مطلقة ومعادية للديموقراطية ليس فقط في مصر بل ايضا في العراق والجزائر وليبيا والسعودية وباقي امارات الخليج الاخرى.
دراسات اخرى أظهرت ان دول اخرى ايضا مثل الاردن والمغرب واليمن ومورتيانيا والتي تعتمد موازنات حكوماتها على المساعدات الخارجية من الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم ، والتي شكلت وضع مماثل لما سمي بالدول' الناقله' قلصت هي الاخرى الحاجة الى جباية الضرائب من المواطنين ساهمت في نشوء اقتصاد مركزي في العقود الخمسة الماضية. الاقتصاد الاردني لا يزال يعاني من هذه المركزية التي لم تفكك حتى اليوم مع انه شذ عن غيره في زيادة الاعتماد على الضريبة دون ان يكون هناك مقابل لها من حيث التمثيل الحقيقي لدافعي الضرائب في مجالسة المنتخبه.
كيف يمكن مواجهة هذا التحدي؟ هل يكفي تأسيس صندوق او صناديق سيادية وطنية لاستثمار اموال الموارد الطبيعية خارج البلاد؟ هل يعتبر من الافضل ايضا تقليص نصيب الحكومة من المداخيل التي تحصل عليها من بيع الموارد الطبيعية وابقاء معظمها لدى القطاع الخاص؟
بهذة الطريقه قد تبقى الحكومات متعلقة باموال دافعي الضرائب وليس باسعار الموارد الطبيعية التي تتحرك في الاسواق العالمية صعودا وهبوطا لان الطلب عليها في هذة الاسواق يعتبر طلبا مشتقا بلغة الاقتصاديين. علاوة على ذلك، ينبغي اتخاذ سلسلة من الخطوات لزيادة النمو الاقتصادي وتقليل حواجز الاستيراد، ومكافحة الاحتكارات واجراء اصلاحات سياسية حقيقية يتلمسها المواطن في حياته اليومية. عندها ستكون الموارد الطبيعية عنصرا آخر في بناء اقتصاد ينمو ويزدهر ويخدم مجتمع معافى وليس دولة نقل وبيع للسياسيين الذين يزعمون دائما بانهم الاوصياء العباقرة على الاوطان لايشاركهم ولا ينازعهم في حب الاوطان احد غيرهم.
خلاصة القول نلاحظ ان هذا الثالوث مستحيل، ان تمتلك موارد طبيعية وان تكون ديموقراطيا وان لا تدفع ضريبة، المستحيل يتمثل في ان الدول التي تعتمد في مداخيلها على بيع الموارد الطبيعية لا تكون ديمقراطية لانها لا تحتاج الى اموال دافعي الضرائب في الوقت الذي تحتاج الى اصواتهم ، واذا تملموا فانها تجود عليهم بسخاء لكي يعودوا لاستمراء ما كانوا علية!!!

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012