أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


ضحايا كارثة تشرنوبل النووية؟

بقلم : د.أيوب أبودية
29-10-2013 10:34 AM
الى دولة رئيس الوزراء الذي ربما تكون قد وصلت اليه معلومات غير دقيقة بان الكوارث النووية غير مميتة، ففي دراسة حديثة نشرتها أكاديمية نيويورك للعلوم حول آثار كارثة تشرنوبل النووية على البيئة، تظهر اليوم أشجار الصنوبر وقد تغير لونها وقلت كثافتها وتفاوتت درجات نموها، كما بدت الحلقات السنوية العمرية الظاهرة في مقاطع أشجار المناطق المنكوبة؛ فلنبحث في مضمون التقرير أولاً قبل الحديث عن انعكاسات ذلك على الطبيعة الحية بمجملها والتي تعتمد على الأشجار والأوراق والأزهار للغذاء والدواء والتنفس وما إلى ذلك، ومن ثم تصل الى الانسان الذي لا يمكن فصله اطلاقا عن دورة الغذاء والطاقة في الطبيعة.
إن التعتيم الإعلامي الصارم على كارثة تشرنوبل النووية وآثارها على الطبيعة الحية والتنوع الحيوي، سواء من جهة الاتحاد السوفياتي السابق أو من جهة مناصري الطاقة النووية المستفيدين من هذه الصناعة، كالوكالة الدولية للطاقة الذرية ومن لف لفيفها، فإن الأمراض التي نجمت عنها بصورة تدرجية والتشويه الذي حدث في البيئة المحيطة قد تجاوز كل الادعاءَات التي كانت تروج في بعض الأحيان لقضية أن التعرض للإشعاعات مفيدة وليست مضرة؛ وللأسف فقد وصلت عدوى هذا الفيروس لتصيب بعضاً من الناس عندنا متغافلين عن أثر شدة الإشعاع وبعده والفترة الزمنية التي يتعرض لها الكائن الحي والإصابات التي تتبع هذا التعرض، فضلاً عن إهمال التمييز بين الضرر الصحي الناجم عن الإشعاع من داخل الجسم أو من خارجه، وإهمال التمييز بين حتمية الإصابة عند التعرض المركز الشديد واحتمالية الإصابة في الحالات الأخرى!
وقد وصل هذا الصراع بين المعارضين والمغالين إلى أوجه عام 2006 إلى حد إقامة مؤتمرين اثنين متزامنين حول أضرار الإشعاعات النووية في مدينة كييف بأوكرانيا، أحدهما نظمه دعاة الطاقة النووية والآخر مناهضيها من مؤسسات المجتمع المدني بخاصة.
وتشير الدراسة إلى إهمال السلطات المحلية دراسة أثر العناصر المشعة التي أطلقها ذوبان قلب المفاعل على نبات الفطر في تلك المناطق بوصفه مصدراً أساسياً للغذاء، وكذلك إهمال تجميع المعلومات عن تراكم الإصابات بالأمراض بصورة تدرجية بمرور الوقت وانخفاض شدة الإشعاع، كما حدث في اليابان بعد إلقاء القنبلتين النوويتين عام 1945 وفي كارثة تشرنوبل عام 1986، بما في ذلك زيادة أمراض القلب والغدد وإعتام عدسة العين وما إلى ذلك من أمراض التي انكشفت ارتباطاتها بالإشعاعات بما لا يدع مجالاً للشك، كما كشفت الدراسة المذكورة. فهل التشوه في الأجنة والولادات المشوهة الظاهرة في الصورة لا تعتبر من ضحايا الكارثة؟



تشوه الأطفال في أوكرانيا بعد حادثة تشرنوبل
وتأتي هذه الدراسة كرد مباشر على الدراسة التي نشرتها الوكالة الدولية للطاقة النووية عام 2005، في 50 صفحة، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، والتي يعتبرها العلماء اليوم ناقصة، لذلك شارك 49 عالماً في إصدار هذه الدراسة 'الكتاب' عن كارثة تشرنوبل، معظمهم من أوكرانيا وروسيا البيضاء وروسيا الاتحادية وذلك لتوضيح حجم الكارثة الحقيقي.
يقول الكتاب إن أكثر عناصر الكارثة إجراماً تمثلت في عدم إخبار الناس عن حقيقة ما حدث أو عدم إشعارهم بالمخاطر التي قد تنجم عنها؛ لقد تجاوزت الانبعاثات من مفاعل تشرنوبل في مجملها مئة مرة مقدار التلوث الإشعاعي الذي نجم عن قنبلتي هيروشيما وناغازاكي مجتمعتين!!!! وهذا التعتيم الاعلامي تكرر في فوكوشيما عام 2011 كما لا ريب تعلمون دولتكم!
إن المفاعل النووي الواحد قادر على تلويث نصف الكرة الأرضية الشمالي بأكمله، وكذلك هي حال المفاعلات النووية في جنوبي الكرة الأرضية؛ ولا أحد يعلم اليوم كم من الإشعاعات ما زالت مختزنة تحت قبة المفاعل المردومة بالإسمنت والتي ما زالت تولـّد عناصر مشعة كعنصر البلوتونيوم 241 الذي سوف يصل إلى قمة إنتاجه لعنصر أميريكيوم المشع نحو منتصف القرن الحالي.
العناصر المشعة الأكثر خطورة على الإنسان من جراء ذوبان الوقود النووي في قلب المفاعل هي العناصر المشعة التالية:-
1) عنصر اليود المشع Iodine 131 الذي يتراكم في الغدة الدرقية. وقد قامت اليابان بتوزيع حبوب اليود على المواطنين بعد الكارثة بأيام!
2) عنصر السيزيوم المشع Cesium-137 يظل مشعاً لعقود ويذوب في الماء ويختلط بماء المطر ويدخل إلى التربة ويصل إلى المياه الجوفية ويلوث النبات والحيوان.
3) عنصر السترونتيوم Strontium-90 يسبب مخاطر كبيرة على الصحة، إذ يتصرف كالكالسيوم في الجسم ويتجمع في العظام والأسنان.

وقد اتضح اليوم أن الجين الوراثي P53 يتأثر بنسب ضئيلة من الإشعاعات أقل بكثير مما كان يُظن سابقاً؛ فإذا ما تعرض هذا الجين للضرر من الإشعاعات تضطرب وظيفته المتمثلة في تنظيم انقسام الخلية وبالتالي فإنه الجين المسؤول عن نصف الإصابات بمرض السرطان في العالم.
بعد حادثة تشرنوبل تم استئصال الغدد الدرقية لما يناهز 4000 طفل أوكراني لإصابتهم بالسرطان ، هذا فضلاً عن 9000 ضحية مباشرة غيرهم قد توفوا بعد الحادثة وهم من مختلف الفئات العمرية، وهناك عشرات الآلاف ينتظرون مصيرهم! تخبرنا أحدث تقارير الأمم المتحدة عن نتائج كارثة تشرنوبل النووية، حيث قضى بالسرطان أو بات على وشك الموت 3,940 شخصاً، فيما أصيب نحو 586,000 شخصاً بالتلوث الإشعاعي، من ضمنهم 200,000 من العمال الذي أسهموا في تنظيف الموقع، بالإضافة إلى 116,000 شخصاً من الذين تم إخلاؤهم من المناطق المحيطة بالمفاعل، فضلاً عن إصابة 270,000 نسمة آخرين؛ وقد تعرضت للتلوث مناطق شاسعة تقدر بنحو 200,000 كيلومتر مربع، أي أكثر من ضعف مساحة دولة كالأردن.
والأخطر من ذلك أن نسبة الأطفال الأصحاء في مناطق الكارثة باتت أقل من 20%، فيما لم يتضح مدى الضرر وفداحته بعد، حيث يعيش نحو ثلاثة مليارات إنسان في المناطق التي لوثتها الكارثة، إذ أن 50% من أراضي 13 دولة أوروبية قد أصابها التلوث مباشرة (النمسا، فنلندا، النرويج، رومانيا، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، فرنسا، اليونان، أيسلندا وسلوفينيا وغيرها)، فضلاً عن 30% من أراضي 8 دول أخرى (تركيا، جورجيا، أرمينيا، الصين وغيرها)، وهذه الآثار سوف تظهر في الأجيال القادمة أيضاً، فعلى سبيل المثال، ما زالت الإشعاعات الموجودة في حليب البقر حتى يومنا هذا في بعض الأماكن البعيدة عن المفاعل تصل إلى 20 مرة مقدار النسبة المسموح بها. أليست هذه مأساة بكل المقاييس؟
أليست الخسائر المادية التي نجمت عن تشرنوبل وبلغت 15 مليار دولار كخسارة أولية مباشرة وآنية هي كارثة بحد ذاتها؟ وماذا تقول في الخسائر المتراكمة التي نجمت بعد الكارثة وخلال أول ثلاثين عاما انقضت حيث بلغت في أوكرانيا وحدها 235 مليار يورو وفي روسيا البيضاء 201 مليار يورو أيضاً! أليست هذه خسائر عظيمة على الدول تنوف عن حسابات أعداد الضحايا البشرية؟ إذ يقال اليوم أن كارثة تشرنوبل كانت من أهم الأسباب التي عجلت في إنهيار الاتحاد السوفياتي عام 1989.
ختاما لا داعي للتذكير بأن اليابان قد حددت ما ينبغي عليها أن تنفقه في السنوات العشر التي تلت الكارثة بما قيمته 250 مليار دولار. أليست هذه كارثة بكل ما في الكلمة من معنى، وبخاصة عندما تقع، لا قدر الله، في دولة تعيش على زيادة الضرائب ورفع الدعم عن مواطنيها؟ واذا كانت أعداد اللذين ماتوا نتيجة تعرضهم للاشعاعات في اليابان قليلة جدا لم تتجاوز العشرات، ولكن ما هي الحياة التي بقيت لمئات الألوف من اليابانين الذين هجروا بيوتهم ومزارعهم وصناعاتهم في دائرة نصف قطرها 20 كيلومترا وما زالوا محرومين من العودة اليها ولعشرات السنين؟

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
02-11-2013 11:42 AM

اذا راحوا المواطنين بحادثة نووية ببطل فيه مواطنين ترفع عنهم الدعم أو ترفع عليهم الأسعار يا دولة أبو زهير!!

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012