أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


ابو المنايح ما عليه ذبايح

بقلم : عبدالحليم المجالي
06-11-2013 11:49 AM



اخترت هذا العنوان واعتمدته بدلا من عنوان آخر يعبر عن فكرة هذا المقال \' اجدادنا اشتراكيون بالفطرة \' , بالفطرة لانهم لم يسمعوا بكارل ماركس ولا فريدريك انجلز ولا لينين ولا ستالين ولا نظرياتهم في الاشتراكية ولا المقارنة مع الراسمالية وتفضيلها كاطارعمل للمجتمعات يوفر لها تامين احتياجاتها بشكل جماعي بعيدا عن الفردية والراسمالية . اشتراكية اجدادنا جاءت كضرورة اجتماعية تحتمها البيئةالمعيشية والظروف الاقتصادية وغياب المرافق العامة كالمطاعم والفنادق وبات من الضروري ان يجد الزائر للمنطقة ( الظيف )المنام والطعام مجانا والا اصاب القوم العار وهذا ما لا يرضاه اي فرد في المجتمع .

ابو المنايح ما عليه ذبايح , قانون اجتماعي مضمونه ان من يأخذ المنايح معفي من الذبيحة الواجب تقديمها للظيف . للذين لا يعرفون المنايح فهي مايقدمه من يملك فائضا عن حاجته من الماعز والنعاج لمن هو بحاجة لها من المعوزين يعتاشون من حليبها , عندما كان الحليب ومشتقاته غذاء رئيسيا , ولمدة محددة ثم تعاد الى مالكها . من مظاهر الاشتراكية ايضا \' القودمة \' مشتقة من القادم وهو آلة خشبية من ضلعين يشكلان مع الارض مثلثا يرص ما يتم حصاده على ضلعيه الخشب ثم يحمل على الدابة وغالبا ما تكون من فصيلة الحمير وينقل القش الى البيدر . يستعين بالقودمة من لا زرع له فمن قادم من القش من عند فلان وآخر من علان يصبح له بيدرا معقولا لا يرقى الى مستوي بيادر المزارعين الفاعلين ولكنه يغني صاحبه ولو الى حين . من مظاهر الاشتراكية ايضا \' اللقاط \' ومعناه التقاط ما يسقط من ايدي الحصادين على الارض من سنابل وجمعها ودقها لا ستخراج القمح منها وبذلك يشاركون المزارعين انتاجهم , الاغنية الشعبية \' جايه تسنبل ورايه سمرا وانا الحاصودي \' مستوحاة من اللقاط وكذلك المثل الشعبي الدال عل حرص المحتاج الى ما بين يديه \' اللي بلقط ما بسقط \' , اليوم لاسنبلة وتباع الحصايد لان كل شيء اليوم بثمن .

حول هذا الموضوع والتحسر على الماضي وايامه واعتراف الجميع بان اليوم الذي يمضي افضل من الذي يليه كان حديثي مع صديق لي على الهاتف كنت قد استشرته بشكل سريع عن موضوع تاسيس جمعية زراعية تعاونية الهدف الاساس منها تجميع الملكيات التي تفتت و تجميعها بمساحات معقولة قابلة للزراعة والانتاج ,هاتفته اليوم للاجتماع به والحديث بالتفاصيل . هذا الشخص من الجيل التالي لجيلي واعرفه واعرف والده جيدا فقد كان مثالا للحزم في التربية لابناءه وكنت انظر اليه كمثل اعلى لانه منتج وبنى نفسه بالجد والاجتهاد خادما وطنه وناسة ومستغنيا عن ذل السؤال ورجاوة الاخرين . فاجأني صديقي بحماسه للفكرة وللعمل المشترك وفقدانه هذه الايام وطغيان الفردية والراسمالية المتوحشة وذكرني بالمنايح واللقاط وحراثة الدواب ومستوى الغلال العالي والانتماء للارض والولاء لها والحرص عليها , ترك عندي هذا الحديث انطباعا بان الدنيا ما تزال بخير وان القيم المجتمعية الصالحة لكل زمان ومكان تجد من يتبناها ويتحلى بها وان اختلفت طرق التعبير عن ذلك لفظا وممارسة.

صديق آخر من الجيل الذي سبقنا عندما ظهر مصطلح خط الفقر مؤخرا وربطوه بارقام للدخل الفردي وكلفة المعيشة كان يتعجب من ذلك وكان يقول لم نعرف يوما خطا للفقر ولكنه مقارنة مع ارقامكم هذه فكنا في مستوى لا يمكن الحلم بالاقتراب منه صعودا لبعدنا الساحق عنه, اي خط الفقر , مع ذلك لم نكن نشعر يوما بالفقر ونخشاه مثلكم اليوم , كانت حاجاتنا البسيطة بطبعها مقضية ولا فوارق تذكر ولا طبقات يزداد فيها الغني غنى والفقير فقرا وما تجره من حسد وكراهية . الظيف مسنود قراه في الشق ( المكان المخصص للاجتماعات واستقبال الظيف ) والظيف على الجميع والقيام بواجبه فرض كفاية ومن اختصاص الاجاويد الموسرين . لا حرج ان تقول او يظهر عليك انك محتاج ولا تملك زادا فهذة الحالة قد يمر بها اكثر الموجودين ثراء وقد تكون حالة عامة والحل لذلك واجب اجتماعي على الجميع . لاحرج ان تستعير لباس جارك او اخوك او واحد من ربعك بحجة الذهاب الى المدينة او الظيفة على عرب بالجوار وكان مصطلح \'....\' بلباس حقيقة قولا وفعلا ولم يأت من فراغ .

في احدى المناسبات الاجتماعية صادفته رجلا فاضلا وجيها نراة دائما في مساعي الخير والجاهات فقال لي : لقد شاركت مع مجموعة من قريتنا وقريتكم في البلة – سقف – داركم التي كانت من اوائل الدور في الربة كعونة اعتدنا عليها واذكر ان والدتك عملت لنا في نهاية العمل غداء قرعة ( تفرم الى قطع صغيرة وتطبخ مع العدس والمريس ويفت بها خبز الطابون ) وسرح بخياله مسترجعا تلك الايام , قلت له اذكر ذلك كالحلم فقد كان ذلك في بداية الخمسينات وما زلت اذكر المنظر اللافت بوجود مجموعة من البغال والحمير والخيل مسرجة حول البناء وسائط نقلكم ايامها . قد تبدو هذه النماذج من اشتراكية الفطرة من نسج الخيال لاجيال اليوم وقد لا يفهمون كثيرا من المفردات الخاصة بتلك الفترة التي قفزنا منها بطفرة حضارية الى واقعنا اليوم ومن الممكن اننا لم نستوعب مراحلها فترانا اليوم نتخبط لا نعرف ماذا نريد ولا كيف نصل الية وباية وسيلة مناسبة . القيم الاجتماعية من العدالة والتعاون والتكافل والمساواه قديمة قدم الزمن وعلى مر العصور ولكنها تتلون لفظا وممارسة حسب الاجيال وواقعهم والامل بالله ان تجد اجيالنا اللاحقة الترجمة الحقيقية لتلك القيم علنا نصل الى راحة البال التي يتذكرها بخير وامل كل من بقي على قيد الحياة من الاجيال السالفة رغم شظف العيش وقلة الموارد .

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
08-11-2013 02:05 PM

مقال جميل ورائع ابو محمد استذكرت به الماضي التليد ،عندما كانت النفوس على النفوس قلوب بيضاء الاخ يحب اخاه وجاره وضيفه ،لن نقول ان هذه العادات قد انقرضت ولكن لا شك فيه انها ضعفت بشكل كبير ولا مجال لسرد الاسباب ،ولكن اقول انه يمكن تعزيز هذه المفاهيم التعاون والتكافل واكرام الضيف وكل العادات الجميله يمكن ان تعيش بيننا تعيش بالتربية واعادة سرد للحوادث والقصص الجميلة على الاجيال الحالية ،نحن نفتقد لكثير من القصص الجميله عن الاجداد واهل القرية وعن المعاني الجميلة بين الاباء والاجداد واهل القرية ... من الجميل ان نقرء عن بعض المصطلحات التي انقرضت في وقتنا الحالي وما تعنيه من معاني جميله ورائعة عاشها اجدادنا وابائنا

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012