أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


أعادة بناء النظام الأردني

بقلم : بشير المومني
17-11-2013 12:30 PM
نحو فهم أفضل للحالة الأردنية


ثلاثة مشاريع تتجاذب اعادة بناء النظام الأردني بمفهومه الواسع ولا يمكن لأي تحليل للحالة الأردنية أن يخرج عن أطار هذه المشاريع والتي تقوم التفاعلات فيما بينها على مرجعية طبقية كجزء أصيل من حركة التاريخ فحتى لو أخذ الصراع في بعض مراحله شكلا سياسيا كمتطلب مرحلة ألا ان الأساس الأقتصادي سيبقى المحرك الفعلي لمعادلة تغيير الأطار العام لصيغة الحكم ومنظومة اتخاذ القرار في الدولة على المدى المنظور ومن الطبيعي أن ينشأ عن حالة تفاعل المشاريع نوع من الصراع لحين الوصول الى صيغة يتعايش تحت مظلتها الجميع لذا يقع على عاتق العقلاء والنخب توجيهها نحو السلمية ..


المشروع الاول موروث عن الملكية الكلاسيكية التي حاول جزء من الحرس القديم تحويلها الى ملكية عائلية لوضع نفسه شريكا في منظومة الحكم من الدرجة الثانية بأطار تجديدي فاصطنعت النيوليبرالية العائلية وهي أعادة انتاج للأقطاب الشخصية التاريخية وهذا المشروع – شئنا أم ابينا - أحد امتدادات الأرستقراطية التي حاولت أن تأخذ شكلا اقطاعيا ولقد كان نتيجة طبيعية لحالة التأهيل الشاذة التي أفرزها تحالف المال والسياسة العائلي وخطورته تتمثل بعملية العزل التي مارسها الورثة من نخب حليقي الرؤوس ( الديجيتال ) على منظومة الحكم فجرى من خلال النيوليبرالية محاولات الأستحواذ على معظم مفاصل الدولة وتوزيع واحتكار القطاعين العام والخاص وحصر القرارات بيد مجموعات عائلية قدمت الخاص على العام فكان الفساد السياسي والمالي نتيجة طبيعية للمرحلة ..


أكثر ما يميز النيوليبرالية انسلاخها عن ثقافة المجتمع الأردني وهويته العربية الأسلامية وقد حاولت هذه الطبقة عزل مؤسسة العرش عن باقي المجتمع وخلق فجوة ثقة كادت ان تفقد الملكية الأردنية افضليتها التاريخية في التواصل مع الشعب الامر الذي جهدت مؤسسة الحكم في أستدراكه ومن الواضح أن الملك وجد فرصة قد لا تتكرر لتطوير الملكية والتخلص من كابوس تاريخي ورثه قسرا فاستثمر الاحتجاجات الشعبية في عملية مدروسة متدرجة لتحجيم وعزل عكسي لهذا المشروع مع الأخذ بعين الأعتبار الأستمرار الطبيعي لآثاره بسبب عناصر القوة التي يمتلكها وقد تراجع مشروع العائلية ونيوليبراليته ليفقد أمتيازاته الأقتصادية في القطاع العام وهو يحاول التمسك بها في القطاع الخاص ويحاول عبثا المحافظة على ما كان يتمتع به سياسيا وظهر ذلك في الانتخابات البرلمانية ومحاولاته انتاج بعض القوائم العامة التي قوبلت بأجراءات مقبولة ليس أقلها القضائية ..


المشروع الثاني هو الملكية الحزبية والمعروفة بـ ( الدستورية ) ومن الواضح انحياز الملك من ناحية تنظيمية لهذا الطرح .. أستفاد هذا المشروع من تهالك الأرستقراطية والصراع القائم ما بين النيوليبرالية والمشروع الثالث ( الملكية الشعبية ) فقدم نفسه كنخبة سياسية مثقفة بديلة عن المشروع الأول أما رعاته فهم من الطبقة الوسطى المتحزبة بقيادة تنظيمات عابرة للحدود دوغمائية الوصف ومشتتة الهوية فلا الأخوان عادوا أخوانا ولا الشيوعيين أبقوا على يساريتهم لأن النسخ الأصلية والتجارب الوليدة جنحت للرأسمالية والبراغماتية على حساب العقائد والشعار التاريخي دون تقديم أطار عام وخاص لمشروع نهضوي يتسق وموجبات حركة الشعوب ..


الخطأ الجسيم الذي ميز الجناح الاقوى لهذا المشروع أندفاعه البغيض تجاه الغرب ومصالحه كبديل للمشروع الأول الأكثر بغضا وهو مشروع هجين تكنوقراط عقائدي آيل للسقوط بسبب طبيعته الأقصائية والتفرد الشمولي مما يجعل التغيير متعذرا ويخلق حالة صدامية مع المشروع الثالث حال تسلم ادارة الدولة لانه لا توجد لديه برامج تشبع الحاجة الأقتصادية الشعبية ويضاف لذلك اننا لسنا امام مشروع تنافسي بل استحواذي في حين أن حالة الربيع قائمة على قيم الحرية والتعددية والتنوع في أطار الوحدة وفقا لمبدأ تداول السلطة ..


المشروع الثالث هو ( الملكية الشعبية ) فعلى عكس ما يميز المشروعين السابقين من مصالح أقتصادية وسياسية وتبعية للحصول على اسناد دولي فأن المشروع الثالث - كجهة متضررة تاريخيا ولا تزال - لا يوجد لديه شيء ليخسره وبالمقابل امامه الكثير ليحققه وببساطة نقول ( أحلام الفقراء مشروعة لأنه يمكن تحقيقها ) واستقرار النظام الاردني بمفهومه الواسع مرهون بقدرته على التواصل والتناغم مع هذا المشروع وأكبر خطر وجودي على النظام بمفهومه الضيق هو تفكك الحالة الشعبية المسماة بالحراك او جمودها وعدم قدرتها على تأطير نفسها سياسيا لأن البدائل ستكون احد المشروعين السابقين او كلاهما بتفاهمات غير مستقرة وبالطبع فلن يكون ذلك ألا على حساب الشعب الذي سينتهي للقبول بفكرة العنف ..


من الواضح أن الملك منحاز لهذا المشروع أقتصاديا فصندوق تنمية المحافظات وخلق فرص العمل ومواجهة تحديات الطاقة بالمشاريع الكبرى ورفع مستوى التعليم في المناطق الاقل حظا يعتبر نموذجا لذلك فالتحدي الأقتصادي يتقدم جميع الأولويات وهو الجانب الأخطر في المعادلة والشعب الأردني في الأطراف يتحرك استنادا لنظرية الحقوق الاقتصادية المنقوصة وحتى لا يساء الفهم نقول أنه توجد بؤر فقر وجيوب للأقل حظا حتى في العاصمة والمدن الكبرى فالفقر والبطالة تحدي يواجه الجميع ويعاني منه الجميع ..


وهنا هل يكفي الأنحياز الأقتصادي للمشروع الشعبي ؟؟ لا يمكن لهذا البلد أن يتقدم للأمام دون انحياز سياسي لهذا المشروع يحفظ التوازن الوطني أما الأنحياز التنظيمي للملكية الحزبية دون مراعاة جميع مكونات الاردن يصب استراتيجيا لصالح ( اللون الواحد ) الذي يتحرك بطريقة تشوبها شبهة أقليمية بغيضة لاستناده على نظرية الحقوق السياسية المنقوصة مما يقطع الطريق على مشروع الملكية الشعبية مؤديا لصراع قد يصل لعنف يهدد النسيج الوطني لا سيما أن الحراك الشعبي لا يزال عاجزا عن المأسسة وأيجاد ذراع حزبي برامجي يؤطر لنضوج التجربة ..


تجلت عبقرية الملك بالتعامل مع المعضلة أعلاه فقام بعملية المزاوجة ما بين المشروعين من خلال التمسك بالملكية الدستورية الحزبية من ناحية تنظيمية وأختيار رئيس الوزراء من خلال تسمية كتل ممثلي الشعب وليس التكليف المباشر للحزب الأكثر مقاعدا لأن ذلك يحسم الصراع مبكرا لصالح المشروع الشمولي وينحي المشروع الشعبي وينهي حالة التعدد التي تعهد الملك أن يكون ضامنا لها لذا نجد هنالك سعيا لخلق ثلاثة أطياف سياسية ودعوات للأنخراط في العمل المؤسسي الحزبي للانتقال لمراحل أكثر تقدما في تحمل مسؤولية النهوض بالدولة وصناعة القرار بيد الشعب والملك بذلك يصحح خطأ تاريخي للدولة بكل مكوناتها بما فيها النخب والتنظيمات السياسية تمثل بعزل الأطراف عن المشاركة في صناعة القرار لذا كان من الطبيعي قول الملك أنه مع الحراك السلمي الموضوعي ..


يلاحظ ان عملية المزاوجة أعلاه لها محاذيرها فكان ( النسور ) رئيسا للحكومة المسماة وشكل ذلك ظاهريا تعارضا مع الملكية الشعبية لأن التعاطي مع التجربة لم يكن سياسيا بل تناول شخص الرئيس الذي يرتبط اسمه في الذاكرة الجمعية برفع الأسعار ولم يتم ابراز نهج التكليف ( وشاورهم في الأمر ) بحد ذاته المستند لارادة ممثلي الشعب سواء لهذا المجلس او لأي مجلس قادم ينتخب مستقبلا وفقا لقوانين اكثر توافقية وبرز خطاب المعارضة الذي غيب حقيقة انتقالنا فعليا لمرحلة الحكومات البرلمانية المسماة تمهيدا لمرحلة الحكومات الحزبية البرلمانية ( والتي اتحفظ عليها وادعو للحكومة المنتخبة ) وغيبت ثقافة النيل من الأنجاز التي تنتهجها تنظيمات سال لعابها على الحكم حقيقة أن الملك نفذ التزامه من هذا الجانب ومارس مهامه الدستورية بشكل ديمقراطي نزيه وقام بعمليات مزاوجة مدروسة بعمق للوصول لاصلاح متدرج لا يحدث تدهورا سياسيا أو امنيا او اجتماعيا أو أقتصاديا كما حصل لدى الغير ..


حاليا الجميع مطالب بمزيد من الانحياز لمشروع الملكية الشعبية بأعتبارها الحالة الصحية التي ستحافظ على الأردن وتقوم بتثبيت أركان مؤسساته فالنموذج الأردني الأقرب للنجاح ويخلق الأستقرار ويحفظ التوازن ويعيد بناء الدولة هو مشروع الملكية الشعبية الأقتصادية الذي لابد وان يتطور لمشروع حزبي برامجي تعددي وفي المقال القادم سنتحدث عنه بشيء من التخصص والدور الذي يمكن أن تلعبه المبادرات النخبوية مثل الأردنية للبناء ( زمزم ) والحراكات الشعبية في هذا المشروع التاريخي لرسم معالم المشروع النهضوي الأردني ..

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
17-11-2013 12:45 PM

أعتقد أن العبقرية في الحالة الأردنية تتمثل في بناءدولة معتبرة في خمسين عاما ترتب عليها مديونية لم تتجاوز 6 مليار دولار .. ثم بيع كل ما تم إنجازه و بمديونية تجاوزت 27 مليار دولار.

المشاريع السياسية كثيرة والمصطلحات أكثر ..الأهم توفر الإراده الحقيقية للتقدم خطوات للأمام للخروج من عنق الزجاجة.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012