بقلم : موسى الصبيحي
09-01-2014 11:37 AM
موسى الصبيحي
لم تُفاجئنا تصريحات رئيس الوزراء في موضوع هيكلة رواتب القطاع العام، وقوله بأن الهيكلة رتّبت على الدولة خسارة سنوية تناهز (350) مليون دينار، وأنها لم تكن خطوة ناجحة..!! هذه الكلام ينمّ عن شجاعة وشفافية الرئيس، وهي تصريحات محل تقدير كبير، لأن الرئيس لم يحاول أبداً أن يخفي وجه الحقيقة، أو يدافع عن مشروع لم يحمل من علامات النجاح بقدر ما حمل من علامات الإخفاق، ولم يحمل من علامات الإنقاذ بقدر ما حمل من علامات الإغراق، ولو كان الرئيس على قناعة بنجاح المشروع لما وجّه له هذا الانتقاد اللاذع، لكنّه عوّدنا على الحديث المباشر والشفّاف والناقد، وهي ميزة كبيرة تُسجّل لدولته على الرغم من معارضتنا للكثير من سياساته وقراراته..! رئيس الوزراء اليوم، وهو مسؤول عن كل كلمة قالها، يعترف بالخسارة الباهظة التي تحمّلتها خزينة الدولة جرّاء عملية الهيكلة، والتي مع الأسف لم تُرضِ أحداً، والرئيس هنا يتحدّث عن الخسارة المباشرة، أي الأموال التي دفعتها الخزينة مقابل هذا المشروع وهي كلفة سنوية تراكمية مع السنوات، لكنه لم يتحدّث قط عن الخسائر الأخرى غير المباشرة التي تسبّبت فيها الهيكلة والناجمة عن عشرات الاعتصامات والإضرابات التي شهدتها معظم مؤسسات الدولة وطالب فيها موظفوها بالعدالة، وهي خسائر تُقدّر بمئات الملايين أيضاً..!! من الملفت أن وزير تطوير القطاع العام، وقد سمعته بنفسي كان قد صرّح بأن كلفة الهيكلة لم تتجاوز مبلغ ألـ (150) مليون دينار، ولم يكن تصريحه أمام الصحافة ووسائل الإعلام، بل أمام ممثلي الشعب وفي جلسة رسمية تحت قبة البرلمان، إبّان مناقشة قانون الضمان الاجتماعي، وقد كنت على الشرفة متابعاً للجلسة، وهي جلسة مسجّلة يمكن الرجوع إليها للتأكّد مما قاله الوزير، فهل ما قاله صحيح، وإذا كان كذلك، وأشكّ، فلماذا هذا التناقض الكبير بين ما صرّح به الرئيس وما صرّح به الوزير، وأين هي الحقيقة..!؟؟ لا أدري لماذا يقف ممثلو الشعب الأردني مكتوفي الأيدي إزاء تصريحات متناقضة، وهل يُعقل أن يُخفي الوزير الحقيقة عن نواب الأمة، وليس فقط يخفيها، بل يُقدّم لهم معلومة غير صحيحة البتة، وبهذا الشكل المريب، لا سيّما وأن الموضوع مهم وخطير ونتحدّث هنا عن مبالغ وكلف سنوية باهظة وتراكمية من عام إلى عام، ناهيك عن الآثار السلبية العميقة لهذا المشروع على القطاع العام، وما قد يؤدي إليه مع الزمن من ترهّل كبير وإحباط أكبر بسبب الإحساس بالظلم وفقدان العدالة..!! بالأمس القريب كان انتقاد القطاع العام على لسان سيد البلاد، الذي وصفه بالتراجع، واليوم على لسان رئيس الوزراء الذي وصفه بالمترهّل، ووصَفَ مشروع الهيكلة بالفاشل، في حين يُصرّ وزير تطوير القطاع العام، وهو عرّاب مشروعي الهيكلة والتطوير، بأن مشروعه ناجح وعادل، وبأن كلفته لم تتجاوز المائة وخمسين مليون دينار، فكيف نصدّق الوزير، في الوقت الذي يتحدّث فيه الملك عن التراجع، ويعترف فيه الرئيس بالترهّل وفشل مشروع الهيكلة، والأهم هو ما ألْحَقَه هذا المشروع البائس من خسارة لخزينة موجوعة تُعاني أصلاً من النضوب..!!!؟ أخيراً، بقي أن نسمع صوت أخير من وزير التطوير، فهل يمتلك شجاعة الرئيس ويخرج على الرأي العام بحديث شفّاف، يُعلن فيه أن مشروعه كان فاشلاً، وأن كُلفته الحقيقية تجاوزت كل التوقعات، وأن الرقم الذي كان أعلنه أمام ممثلي الشعب تحت قبه البرلمان لم يكن صحيحاً..؟؟ هل يملك الوزير ذلك، وهل يفعلها..؟! أما إذا لم تكن لديه الشجاعة لكي يتحدث بشفافية، فالأجدر به أن يغادر منصبه فوراً..!! وإلى ذاك فإنني أكرر الدعوة لمحاسبة هذا الوزير فيما إذا ثبت أن أرقامه لم تكن صحيحة، وإقالته فوراً من منصبه إلى غير رجعة، لأن تضليل ممثلي الأمة، في حال ثبوت ذلك، وتضليل الرأي العام والشعب الأردني بأكمله جريمة سياسية وأخلاقية يُحاسَب عليها المسؤول ويدفع مستقبله السياسي ثمناً لها..!!!
Subaihi_99@yahoo.com