أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


خروج بريتش بتروليوم ومضامينه 

بقلم : مبارك الطهراوي
11-01-2014 11:06 AM
لا اذكر بالتحديد هل كان عام ١٩٨٣ او ١٩٨٤ عندما وردت لسلطة المصادر الطبيعيه صور جويه من الديوان الملكي، تلك الصور كانت قد قدمت لجلالة الملك حسين طيب الله ثراه كهديه من الولايات المتحدة الامريكيه تظهر وجود حقل مؤمل للتنقيب عن النفط والغاز في منطقة الريشه. 
ولأن تلك الصور الجويه والتوصيه مصدرها الديوان الملكي، قامت سلطة المصادر بتحريك احدى حفاراتها المستأجرة الى المنطقه وتم البدء بحفر بئر الريشه رقم ٣. 
كنت يومها اعمل مهندسا للموقع او كما كان يسمى آنذاك- ممثل سلطة المصادر الطبيعيه في الموقع. وحتى تتضح الصوره للقاريء الكريم لا بد من التنويه ان التنقيب عن البترول يعمل فيه اشخاص بتخصصات متعددة رغم تداخلها. فهنالك مهندس البترول والذي يقوم بأعمال الحفر والإنتاج ودراسة المكامن النفطيه وتحديد الاحتياطيات النفطيه للحقل، ومهندسي الجيوفيزياء والمتخصصين بعمليات المسوحات الجيولوجيه السطحيه والزلزاليه وثم الجيولوجيين والمتخصصين بالطبقات وأنواعها وتراكيبها.تتشكل من كافة هذه التخصصات لجنه تسمى لجنة الاستكشاف 

تم حفر البئر على عمق حوالي ٣٥٠٠ متر. ولم نشاهد اية مؤشرات لوجود مواد هيدروكربونية اثناء الحفر وبعد الانتهاء من الحفر بدأت عمليات التصوير الكهربائي للبئر والتي تحدد بواسطتها نوعية الطبقات المحفورة بدقه وتبين الصخور التي تحتوي على مساميه ونفاذيه ونوعية السوائل ان وجدت داخل تلك المسامات. المهم انه حضر للموقع اعضاء لجنة الاستكشاف في سلطة المصادر الطبيعيه للموقع لدراسة الصور وتحديد النتائج على ارض الواقع. طبعا انا كممثل للسلطة على الموقع أقوم بتنفيذ العمليات حسب مخرجات دراسة اللجنه. كان يومها قرار اللجنه (ورئيسها آنذاك هو مدير عام شركة البترول الحالي) ان البئر جاف ولا يحوي شيئا ولا يستحق ان يصرف عليه دينار واحد. قمنا بناء على قرارهم باغلاق البئر بثلاثة صبات اسمنتيه وترحيل الحفاره للأزرق. وبدأت الحفاره العمل لحفر بئر أستكشافيه جديده في الازرق. 

وقد كانت الشركه التي قامت بالتصوير هي شركة شلمبرجير العالميه والتي قامت بتحليل الصور لوحدها في مقرها الرئيسي في فرنسا. فوجدت ما شعرت انه خطاء في تقييم لجنة الاستكشاف الاردنيه مما دعاها لإرسال فاكس وصل للحكومه تقول فيه ان تحليلات لجنة الاستكشاف التابعة لسلطة المصادر الطبيعيه غير صحيح وان البئر يحتوي على مواد هيدروكربونية ويجب فحصه وعمل تجربة انتاج له. 

هنا أصبحت السلطة في حالة سيئة فشكلها امام الحكومه وأمام جلالة الملك سيتاثر وخصوصا ان الديوان الملكي ومكتب صاحب السمو الملكي ولي العهد آنذاك سمو الامير الحسن تصله كافة التقارير وبشكل يومي، فاجتمعت اللجنه والاداريه وكان هنالك إجماع شبه كامل على التمسك بقرار لجنة الاستكشاف، الا ان رجلا واحدا هو المهندس عبدالله شحاده والذي كان يومها رئيساً لقسم جيولوجيا البترول أصر على ضرورة فحص البئر. 

وخوفا من غضب الملك قررت السلطة العوده للبئر والمغامرة بمبلغ خمسمائة الف دينار هي تكلفة اعادة الحفاره وتجربة البئر. عادت الحفاره للبئر وتم فقط تنظيف البئر وتجربة انتاج. ويا لهول المفاجئه، الغاز ينطلق من البئر بقوه ليبدأ عصر انتاج الغاز الاردني بواقع انتاج أولي وصل لحدود سته وثلاثون مليون قدم مكعب من الغاز يوميا من ذلك البئر لوحده. 
تتابع بعد ذلك الحفر في الحقل وتم بناء محطة غاز الريشه ومحطة كهرباء الريشه وتم مد خط نقل الكهرباء من الريشه الى عمان بطاقة قصوى تصل ١٢٠ ميغاواط/ ساعه. 
ثم أنشئت شركة البترول من رحم السلطة ومنحت امتياز ادارة وتطوير الحقل لمدة خمسون عاما.وقد جاء انشاء الشركه بتوصيه محقه من مؤسسات دوليه لمنح مشروع التنقيب عن البترول حرية الحركة والسماح بتأجير الحفارات والاستثمار في ذلك داخل الاردن وخارجه. ولكن هذه الشركه لم تستطع القيام باي من أهدافها بسبب عوامل كثيره أهمها وعلى رأسها إداراتها والتي كانت المعيق الحقيقي لتطور الشركه وخسارتها فرصا هامه كان من أهمها للشركه وللاردن على الإطلاق عندما زرت شخصيا السودان على راس وفد اردني وحصلت على مذكرة تفاهم تم منحنا بموجبها منطقتي امتياز للتنقيب عن البترول فيهما، احدى تلك المنطقتين مساحتها اكبر من مساحة الاردن ويوجد بها خمسة آبار منتجه للنفط تم حفرها في مرحلة سابقه من قبل شركة شفرون الامريكيه. وقد كان الاخوه السودانيون متحمسين لاستئجار حفاراتنا ايضا واستعارة فنيين أردنيين في كافة مجالات التنقيب عن البترول والغاز... اي بمعنى اخر كنز لم تقبل ادارة الشركه به بل قيل لي حرفيا' احنا مش مستعدين نخاطر بأسمائنا بالسودان... خلي المذكوره معك وإذا أصبحت انت مكاننا ساوييها انت!!! 
قفز القطريون وحصلوا عليها بعد ان اعتذرنا ولم يمر سوى عامين حتى باعوا الامتياز للصينيين بمبلغ ملي ارين كاملين من الدولارات. 
طبعا وضمن هذه الضروف غادرت الشركه بناء على طلبي والتحقت بإحدى الشركات العالميه. 

المهم استمر انحدار الشركه وتراجع إنتاجها ودمار معداتها وخسارة كوادرها مما أستوجب خطوه للإصلاح، فكان القرار بالشراكه الاستراتيجيه، وكنا فرحين بذلك لأننا اعتقدنا ان وجود شريك استراتيجي سيمنح الشركه ألقوه الفنيه والماليه اللازمه وسيصمت مجلس الاداره ويترك المجال للفنيين للعمل. 
وعندما علمنا ان الشريك بريتش بتروليوم زاد فرحنا لأننا اعتقدنا ان شركة البترول ستعمل سويا مع بريتش بتروليوم، ولكن فرحتنا لم تكتمل، لان الاتفاقيه كانت اسما شراكه وفعلا استحواذ. فقد خرجت شركة البترول بشكل كامل من الحقل ولم يعد لها اية صلاحيه فيه وقامت شركة بريتش بتروليوم بعملياتها بشكل متكتم جداً ولم يتسنى لأي كان في شركة البترول الاطلاع او ابداء اي راي فيما تقوم به الشركه الانجليزية. 

حاولنا ان نسترق السمع لنعرف ولو القليل عما تقوم به الشركه، فعلمنا انهم قاموا بالمسح الزلزالي وحفروا بئرين بتكاليف تصل الى عشرة أضعاف التكلفه المنطقيه لتلك العمليات. 
حفروا بئرا ونقلوا الحفاره لموقع اخر وحفروا بئرا ثانيا، ثم قرروا العوده للبئر الاول وأثناء ترحيل الحفاره جاء قرار لندن بالتوقف والرحيل. 
هذا القرار اثار وما يزال يثير الكثير من التسائلات حول أسبابه ومبرراته، ونسمع من الحكومه عن طبقات قاسيه لم يستطيعوا اختراقها.وهذا من أشد المبررات غباءا والتي من الممكن ان يلجأ اليها احد. فلم تعجز شركه في العالم يوما عن حفر ايةطبقه ولن تعجز بالتأكيد بريتش بتروليوم امام حفر نوع ما من الصخور وهذا من بديهيات عملنا في هذا المجال، ثم نسمع عن رواتب عاليه منحت للأردنيين فهل كانوا يدفعون للمهندس الاردني راتب ثلاثون الف دولار شهريا كما هي رواتب مهندسيهم؟ هذه حجج وحديث أتفه من ان يناقش ولكنه يوحي بان وراء الأكمة من الأسباب ما لا يمكن اطلاع العامة عليه 
ومع اننا يجب ان لا نشعر بالأسى على رحيلهم كما يجب ان لا نفقد الامل في حقل الريشه، الا ان رحيلهم لا يجب ان يعتبر خساره للأسباب التأليه: 
١- لم تسعى بريتش بتروليوم بشكل جدي لزيادة الانتاج خلال فترة الاستكشاف حتى لا تستفيد الحكومه والشركه من عوائد الغاز خلال هذه الفتره لان النسب جيده للحكومه والشركه خلال تلك الفتره. 
٢- لم تقم بريتش بتروليوم باي عمل من شانه دعم شركة البترول الوطنيه وتحسين كفائتها او تطوير معداتها او تدريب كوادرها 
٣- لم تحاول بريتش بتروليوم الاستعانة بأية خبرات اردنيه ولم تشرك شركة البترول ولو من باب الاستشاره بسير عملياتها او بمواقع حفرها 
٤- ان الاتفاقيه الموقعه مع بريتش بتروليوم غير مجدية للاردن فلو ان بريتش بتروليوم طورت انتاج الغاز من الحقل وجربت الحكومه طريقة توزيع العوائد وبيع الغاز لكانت ستقوم ثورة على الشركه من الشارع والإعلام لم يكن بمقدور احد الوقوف بوجهها. 

ولكننا مع ذلك لا بد ان نتسائل عن دوافع هذا القرار وهل له علاقه بنتائج حفر البئرين؟ أشك في ذلك لانه كان من المفروض ان يتم تكملة البئر الاول بشكل أفقي ثم تجربة الانتاج، ولكن ذلك لم يتم. 

على اية حال ها هي الشركه تعلن انسحابها بشكل مفاجئ ودون معرفه حقيقيه للأسباب رغم ان تسريبات من الشركه خارج الاردن توحي ان القرار يعود لما يطبخ له بالمنطقة وخصوصا الأنبار في العراق وأوضاع سوريا. 

ولكن دعونا ننتظر قليلا وسنعرف هل انسحابهم بسبب ألانبار العراقية ام درعا السوري ام ان هنالك طبخة اخرى في عمان الاردنيه او لندن الانجليزية حتى لا اقول تل أبيب اليهودية. 

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
11-01-2014 11:57 AM

لماذا لا تضع ضمن الاحتمالات ان انسحابهم وعدم استمرارهم ببذل الجهود لزيادة الأستكشاف هو اليب للمستتشكسك الذي تم بهم وبالاتفاقية الموقعة معهم ،فلو كانت الاتفاقية كما كنتم تقولون سابقا وانها تضييع لثروة الوطن لما قامت الشركة بالانسحاب _كفانا تشكيك بأنجازاتنا -كفانا تهر يب للمستثمرين-
كفانا طعن بادارات الشركة للتلميح بأنكم المنقذ الأعظم -كفانا جلد لذاتنا والأضرار بالوطن

2) تعليق بواسطة :
11-01-2014 12:19 PM

وماذا عن بئر قطار العبد شما الصفاوي؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الذي كانت شركة اناداركوالامريكيه التي جائت وانفقت اموال ضخمه من اجل تعميق البئر والحفر تجاوز 4000متر!!! ولا احد يعلم شيء عن النتائج وحتى عملية DSTلم يقومو بها من اجل التحقق من وجود اي مواد هيدروكربونية في هذا البئر؟؟؟

3) تعليق بواسطة :
11-01-2014 01:06 PM

هل نفهم من ذلك أن شركة البترول الوطنية يمكنها أن تحقق نتائج مهمة اذا تابعت العمل طالما أن BP سوف تترك معداتها لنا؟
وهل يمكن أن نكون قد استفدنا من انسحاب الشركة البريطانية بالغاء الاتفاقية المجحفة بحقنا؟
وهل هناك من أسباب مشتركة تربط بين انسحابهم وانسحاب أريفا العام المنصرم؟

4) تعليق بواسطة :
11-01-2014 02:16 PM

وأيضاً الا تذكر ياأستاذ مبارك الطهراوي بئر حمزة 3 الذي تدفق النفط منه بغزارة على عمق 3500 م بطاقة أنتاجية قدرت بخمسة وعشرين الف برميل يومياً ثم جف ذلك البئر فجأة وتبين ان جفافة كان نتيجة الاجراءات والمعالجات الخاطئة في اغلاقة ووضع مئات الاطنان من الاسمنت الزيتي تحت مبررات وذرائع كانت منها الخوف من تفجر البئر وهل يوجد شيئ اسمة تفجر البئر في علم ابار البترول غير تفجر كميات النفط من فوهته ومنها الخوف من انقلاب برج الحفارة وهل كان اجراء صحيح التضحية ببئر بهذا الحجم من الانتاج من اجل ضمان سلامة برج الحفارة ومنها ايضاً الخوف من اغراق المنطقة بالبترول مع العلم ان مكان البئر كان منطقة صحراوية وليس بداخل مدن او قرى وكان بالامكان عمل جدار ترابي على شكل برك ترابية وتوجية تدفق البترول الية وأغلاقة بروية وطريقة سليمة وهل صحيح ان السبب كان لأن المهندسين اللذين كانو يعملون في تلك المجال مع الاحترام لأشخاصهم هم مهندسين حفر ابار مياه على اعماق بسيطة وليس لديهم او سبق لهم العمل بحفر ابار البترول على اعماق كبيرة ؟؟؟

5) تعليق بواسطة :
11-01-2014 07:11 PM

.
-- مقال جدير بالتقدير لأنه يتضمن معلومات تقنيه تفتح المجال لمن يتفق معها او يخالفها من المختصين ان يبدي وجهة نظره فتعم الفائدة.

-- فنيا لست في موقف يؤهلني لإبداء رأي لكني اشارك الكاتب في تخوفاته من وجود دافع سياسي امني خلف القرار .

وللمهندس مبارك الطهراوي الاخترام و التقدير .

.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012