أضف إلى المفضلة
الأحد , 04 أيار/مايو 2025
الأحد , 04 أيار/مايو 2025


قوات الدرك تُفاقم العنف الأهلي

19-11-2010 04:59 PM
كل الاردن -

ناهض حتر

 

في كل مرة يتدخل فيها الدرك لاحتواء مشكلة أمنية، يحدث أن المشكلة تتعقد وتتفجر وتنتشر وتتأزم ولا تنام بعدها إلا على جمر من تحت الرماد. وآخر تدخلات الدرك كانت في السلط، حيث عاملت السلطية ك"متمردين" بالإصطلاح الأميركي والأسلوب الأميركي والعقلية الأميركية. ولكنها فشلت، وسوف تفشل في كل مكان في بلدنا، تجرّ وراءها الخيبة و تخلّف المصائب ومشاعر القهر.

هنالك العديد من الأسباب وراء العنف الأهلي، يمكن بحثها على عدة مستويات إقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، لكننا نقتصر حديثنا اليوم على البعد الأمني. وتدلنا أحداث العنف في آخر سنتين أن الأمن الأردني الشهير بقدرته على إستيعاب الأحداث العنفية بالقدر الأدنى من استعمال الوسائل العنفية، وبالحد الأعلى من إدارة التفاهمات واستخدام المؤثرات الاجتماعية، أصبح عاجزا عن إدارة هذا الملف. وفي كل مرة، من العقبة حتى السلط، تعقّد التدخل الأمني، المشكلة، ويعجز،ومن ثم يتم اللجوء، في النهاية، للوسطاء الاجتماعيين والسياسيين لاستيعاب الموقف.

قوات الدرك مؤلفة من شباب أردنيين، لكن من الواضح أنهم يُدرَّبون على أساليب غير أردنية، ويُعبَّأون بثقافة أمنية غير أردنية، عنيفة، ومعادية للشعب، ولا تعترف بخصائص المجتمع الأردني ولا بثقافته، ولذلك، تبدو، في أعين الأردنيين، غريبة عنهم، يقابلونها العداء بالعداء، والضغينة بالضغينة، ومسيلات الدموع بالحجارة،والرصاص الحي بالرصاص الحي. وواهم من يعتقد بأنه يمكنه، بالأساليب الأمنية الأميركية ، أن يكسر أنوف الأردنيين. هذه الأنوف لا تنكسر. والعقلية الأردنية معاكسة للأسلوب الأميركي. فالأردني يخجل ولا يخاف، ويمتثل للتدخل العشائري الودي، لكنه ينفجر في وجه القمع والعنف.

لقد تحولت قوة الدرك إلى مشكلة المشاكل في قضية الأمن في بلدنا. لا شك أنها قوة "حديثة"، تدريبا وتسليحا ووسائل، ولكنها، لذلك بالضبط، فاشلة. فالأمن في بلدنا لا يُضبَط بالقوة ولا بالسلاح، ولكن بالوسائل السياسية. وشرط نجاعة الوسائل السياسية هو الامتثال للثقافة المحلية في حل النزاعات. وهو الأسلوب الأردني التقليدي الذي يمزج الحد الأدنى من القوة بالحد الأعلى من تلافي العنف و التدبّر السياسي والمعالجة الاجتماعية والإستقامة والحياد.

أين ذهب كل ذلك؟ ولماذا يلحّ المسؤولون، رغم الفشل المتكرر، على المعالجة العنفية الشرسة لكل احتجاج أو خلاف، معتقدين، رغم الخيبة المتكررة، أن البطش والقنابل المسيلة للدموع والهراوات والرصاص، سوف تنجح هذه المرة ؟

خلال العام المنصرم طُرحَتْ قضية قوات الدرك على بساط البحث على عدة مستويات، وأجريت عليها تعديلات من حيث حجمها وقيادتها وارتباطها، لكن تبيّن أن خللا ثقافيا ووجدانيا هيكليا  أصابها في صميم تكوينها، وأصبح مجرد وجودها عبئا، فهي، حالما تنزل إلى الشارع ، تستفز الأردنيين، وتستجلب الرغبة بالعنف المضاد، وبافتقادها الكيمياء اللازمة للتعامل مع الناس، ونزوعها إلى الاستخدام المفرط للقوة، تضطر إلى مواجهة مقاومة غير محسوبة في ظروف غير محسوبة، ثم تغادر مهزومة، ليتولى المجتمع المحلي، تضميد جراحه وجراح الدولة.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : عرض لوحة المفاتيح
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012

تواصل معنا عبر :