موسى الصبيحي

لن يصلح أمر الناس إلاّ بالعدل، ولن يُقام العدل في المجتمع إلاّ إذا التزم المسؤولون بقيم النزاهة والعدالة والمساواة في أنفسهم أولاً وفي أهليهم ثانياً، ثم بين الناس، ثم إذا تحلوْا بالإرادة الكاملة للإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن قناعة وإيمان وإصرار..

ولنا جميعاً أن نأخذ من طريقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأسلوبه في الحكم والسياسة أنموذجاً في ذلك، فقد عُرف عنه أنه إذا نهى الناس عن أمر، جَمَع أهله ووجّههم بقوله: إني قد نهيت الناس عن كذا، وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أُوتى برجل منكم وقع فيما نهيت الناس عنه إلاّ ضاعفت له العقوبة لمكانه مني، فمن شاء منكم فليتقدم ومن شاء فليتأخر. وبذلك كان أهل عمر رضي الله عنه أشقى الناس به، وأقلهم نفعاً منه، وليس لهم ميزة على غيرهم، بل كانوا آخر منْ يصلهم حقهم..!!

الإصلاح بكل مضامينه وأشكاله يبدأ من المسؤول أولاً وليس من عامة الناس، يبدأ من القمة وينزل إلى القاعدة، وليس العكس، وإرادة الإصلاح والعدل، فرصة لدى أي مسؤول يريد فعلاً فرض الإصلاح وإشاعة العدل بين الناس، إن هو التزم بذلك بقناعة وإيمان، وأصرّ على فرض هذه المباديء في المجتمع بادئاً من أهل بيته وذويه وعشيرته الأقربين، قبل الناس الآخرين وعامة الشعب، عندها سيصلح أمر المجتمع، وسيتفهّم الناس دواعي الإصلاح ومتطلباته، وسيلتزمون ويساعدون في تحقيق سلام المجتمع وأمنه واستقراره وتقدّمه..

لا نريد من المسؤول اليوم أن يضاعف العقوبة على ذويه إنْ هم أتوْا ما نهى الناس عنه، ولكن على الأقل أن يعاقبهم بمثل ما يعاقب به المخالفين من الناس لا أكثر ولا أقل، أما أن يسعى إلى مساعدتهم في الإفلات من الحساب والعقاب، وحصر العقوبة والحساب بعامة الناس ودهمائهم وضعفائهم فقط، فهذا مما يفسد المجتمع، ويفسد الحياة، ويشيع البغضاء والشحناء بين الناس، ويبني طبقية بغيضة يمقتها الناس، وهي وحدها وهي تسعى إلى تغييب العدل، تُشيد مجتمع الكراهية البغيض..!!

إن قصص العديد من المسؤولين الكبار لدينا في التفلت من القانون، وفي تدبير الحيل لإفلات ذويهم من العقاب والحساب الذي ينص عليه القانون، أو في تمييزهم على غيرهم، واستئثارهم بحقوق الآخرين والاعتداء على هذه الحقوق، كلها قصص يندى لها الجبين، وكانت ولا تزال وصمة عار على جبين المجتمع، فأي إصلاح نتطلع إليه وأي عدالة نرنو إليها وهذا هو حال مسؤولينا..!!

فيا أيها المسؤولون: خذوها من عمر بن الخطاب، واجعلوه قدوة لكم في الحكم والمسؤولية، فمن السخف والظلم أن تطالبوا الناس بالالتزام والانتماء والنزاهة والوطنية وأنتم وأهليكم أبعد الناس عن هذه القيم السامية.. فكونوا قدوة لغيركم في الالتزام بهذه القيم أولاً ليصلح أمر المجتمع كله من بعد، وأقيموا الحدود على أنفسكم وذويكم أولاً قبل أن تقيموها على عامة الناس، ليقوم العدل في المجتمع، ولنا في رسول الله أسوة حسنة: والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها..!!

الكلام عن الإصلاح والعدل لا وزن له ولا معنى، وسيظل بلا مضمون، ما لم يكن لدينا مسؤولون ملتزمون بقيم النزاهة والعدل في أنفسهم أولاً وفي ذويهم ثانياً، قبل أن يطالبوا الناس بالالتزام..!!

Subaihi_99@yahoo.com