أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


نحو إصلاح ثوري في مرفق العدالة

بقلم : المحامي اشرف محمد عبد القادر سمحان
16-02-2014 10:37 AM
ساءني كما ساء كل أردني شريف ما وضع به البعض القضاء الأردني الشامخ والعزيز في موضع الشبهة والنقد، فشاع وعمّ، وتناقلته الاحاديث، وتداولته الالسن بل وتقاذفته الذمم، وذلك على إثر توقيف احد اكبر المحامين في المملكة بتهمة التزوير تماماً بعد ساعات من تقديمه شكوى بحق إحدى الهيئات القضائية العليا. لا أقول هنا ان تهمة لُفّقت الى ذلك المحامي، حاشا لله ان يكون ذلك وما ينبغي لي ان اقول كذلك في قضائنا الشامخ الذي لا يعتز به الا كل حرّ كريم ولا يطعن به بل ولا يعبث به الا كل خوّان لأمانته أثيم، انما كل ما في الامر ان شبهةً ثارت على اساسٍ من تساؤل معقول حول مثل هذا التزامن غير المفهوم بين الحدثين المذكورين: أنى لِمِثله ان يكون.
قضاؤنا الأردني كان على الدوام ناموساً يهتدي به كل ضال وسياجاً حامياً يرد الحق لكل ضعيف مظلوم وصخرة يتكسر عليها ظلم كل صاحب سلطة مستقوٍ أثيم. قضاؤنا الاردني كان على الدوام موضع افتخار الأردنيين كافة، حتى من غيرهم ممن لم يكونوا ليأتوا الى هذا البلد العزيز ويضعوا استثماراتهم او يقرروا الاقامة به الا بعد ان اطمأنت انفسهم الى استقرار النظام القائم وعدالة الحكم فيه. كيف ولا والحكم والعدل توأمان صنوان لا يفترقان ولا تنفصم عروى الوثوق بينهما ولا يفتران عن مبادلة تأثير كل منهما في الآخر، كيف لا والعدل اساس الملك والله –واسمه العدل- فيما أخبرنا به السلف لَيُقيم الدولة العادلة وان كانت كافرة وليزيل الدولة الظالمة وان كانت مؤمنة. كيف لا والقضاء هو القسطاس الحق والميزان العدل الذي أقام الله عليه ملك السموات والارض فإن اختلّ وفسد عمّ باختلاله الظلم وحل بذلك الفساد الذي به وعد ووعده الحق في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس بظلم وهم يعلمون او بجهل فهم فيه سواء يحكمون. كيف لا والله –ومن اسمه العدل- قد حرّم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً فأنى ان يباح لمن هم دونه –وهم كذلك- مهما بلغت مناصبهم في العلو ومهما تقدست مراكزهم وتنزهت ان ينهى الواحد فيهم نفسه عن معروف يأمر فيه بين الناس.
وعليه، فقد أوجبت العبر المستفادة من الحادثة المذكورة إقرار عنصرين أساسيين لا بدّ ينقصان مرفق العدالة لدينا ولا بد من توافرهما ليدنو اقرب ما يكون الى مراتب العلو والكمال وتترفع به عن أي مساس بصورته التي كانت على الدوام موضع كل اعتزاز وافتخار، أحد هذين العنصرين يتعلق بحصانة القاضي بما يكفل استقلاله حتى في مواجهة سلطته القضائية والآخر يتعلق بحصانة المحامي الذي يعد العون الأكبر والاهم من أعوان العدالة والقضاء. وكلاهما جناحان للعدالة سواء بسواء، لا بمكن ان تنطلق الا بهما وبهما يعملان معاً متكاملين لا متضادين والانتقاص من احدهما او المساس به او النيل منه يجرح العدالة تماماً كما يجرحها الانتقاص من الآخر او المساس به او النيل منه. وفيما يلي مناقشة الاصلاح المتوجب في حصانة كل منهما:
أولاً: في حصانة القاضي بما يكفل استقلاله في مواجهة سلطته القضائية:
اذ لا بد من حماية استقلال القضاة انفسهم من سلطتهم القضائية فلا تعود لها اية سلطة عليهم الا بمقتضى ما لها من رقابة على اعمال وظيفتهم او مسلكياتهم الشخصية فيما يعرف بالتفتيش القضائي لا غير. وضمان ذلك لا يمكن ان يكون الا باتباع الخطوات التالية التي سبقتنا اليها دول عدة من بينها مصر وغيرها من ديمقراطيات العالم التي قدّرت للقضاء حق قدره متسائلين عن الاسباب التي تمنع من ان تكون لدينا ذات تجربتهم، أفي انفسنا قصور عنهم؟ أم في تجربتنا نقص منهم؟ الصحيح ان قضاتنا يستحقون اكثر وأكثر بكثير مما منح لهم الى الآن من حصانة سيما ان جانباً هاماً وقاتلاً من جوانب الحصانة غُيِّب بالكامل عنهم الا وهو حصانة القاضي في مواجهة سلطته القضائية، هذا القاضي الذي تتجسد في ذاته سلطة قائمة بذاتها تمشي على الارض لا يمكن ان يكون كذلك الا بتكريس مثل هذا الجانب من الحصانة.
ومن بين ما يكفل حصانة القاضي في مواجهة سلطته القضائية نجد ما يلي:
1. اختيار اعضاء المجلس القضائي ومن بينهم رئيس المجلس ممن تتوافر فيهم الشروط لذلك عن طريق الانتخاب من جمعية عمومية للقضاة تضم كافة قضاة المملكة النظاميين والتي تكون بمثابة جهة رقابة على المجلس القضائي. ولمدة لا تزيد على سنتين فقط. وبحيث يجوز دعوة الهيئة العامة للاجتماع بشكل عاجل بناء على تواقيع مائة عددها على مائة توقيع لعزل أي من اعضاء المجلس القضائي او لاي اجراء تختص به هذه الجمعية.
2. عدم عزل القاضي او احالته للتقاعد او غيرها من صور انهاء الخدمة الا في حالتين فقط لا غير:
أ‌. اذا ثبت عليه ارتكابه مخالفة تأديبية جسيمة تستوجب ذلك او بعد سبق انذاره مرتين على الاقل لم يمض على كليهما اكثر من سنة. ويتوجب تسبيب قرارات المجلس الصادرة بالادانة بعد محاكمة القاضي محاكمة تأديبية تتاح له فيها جميع اوجه الحق في الدفاع. وفي جميع الاحوال تكون قرارات المجلس القضائي الصادرة بهذا الشأن قابلة للمراجعة من الجمعية العمومية. ولا يرد القول كما جاء في حكم محكمة العدل العليا من ان المجلس القضائي غير ملزم بالتسبيب، اذن فاجعلوا قرارته غير قابلة للطعن اصلاً بل وكيف تكون قابلة للطعن اذا لم يكفل التسبيب بسط جهة الطعن رقابتها على ما جاء في القرار الصادر بحق القاضي. اما ما استند اليه قضاء محكمة العدل العليا من عدم جعل نزاهة القضاء مما تتجاذبه الألسن وتطعن به الذمم فهي حجة على ما فيها من وجاهة لا تستأهل المساس بمبدأ المشروعية الذي ما وجدت وظيفة القضاء أصلاً الا لحمايته، هذا المبدأ الذي يوجب ان يدرأ القضاء عن نفسه طعنات التهم وينأى بنفسه عن مواضع الشبهة واللُّوَم. كيف لا وأصعب الظلم بل وأكثره إجراماً وإيلاماً ذاك الذي يقبع تحته من ينادي بالقسطاس ليقيم العدل بين الناس.
ب‌. اذا ثبت بتقرير طبي من لجنة طبية حكومية لا يقل عدد اعضائها عن خمسة بعد قسمهم اليمين القانوني عدم اهلية القاضي العقلية او الصحية للقيام بمهام وظيفته. وفي جميع الاحوال يكون قرارهم ذلك قابلاً للمراجعة من الجمعية العمومية للقضاة.

3. لا يجوز تنفيذ القرار الصادر بنقل القاضي اذا اعترض على قرار نقله خلال اسبوع من تبليغه اياه الا اذا صادقت الجمعية العمومية للمحامين على ذلك القرار، وفي جميع الاحوال لا يجوز نقل القاضي الى محافظة أخرى خلاف تلك التي اعتاد على الاقامة فيها الا اذا صدر قرار من الجمعية العمومية بذلك. وتكون الاولوية في قرارات النقل لمكان اقامة القاضي، ويتبع في النقل اسلوب القرعة من متعدد لا يقل عن عشرة في جميع الاحوال.
4. يراعى في الاستفادة من المنح والبعثات والدورات الداخلية والخارجية اقدمية القاضي ودرجته ومدى كفاءته، ولا تصدر قرارات الابتعاث للدراسة الا من الجمعية العمومية للقضاة.

ثانياً: في حصانة المحامي من عسف اية سلطة في معرض أدائه لمهنته:
فالمحامي جزء اساسي في تشكيل آلة العدالة التي لا تتحرك الا به، وتقاس كفاءتها بمقدار ما يتاح له من حرية في ممارسة حقوق الدفاع، ولكن كيف يكون ذلك اذا لم يأمن المحامي على نفسه من الملاحقة؟ ولا اتحدث في هذا المقام عن مواقف او وقائع محددة بذواتها، الا ان ابعاد القضاء نفسه عن الشبهات –وهذه سمته وهذا ديدنه- اولى من أي اعتبار آخر مهما كانت أهميته، وعليه فلا بد من تقرير الامتيازات التالية التي تضمن عدم عسف اية سلطة مهما كانت قدسيتها ونزاهتها في مواجهة المحامي لما يمكن ان ينتج عن ممارسته لاعمال مهنته، هذه الامتيازات التي لا بد من تقريرها (بتعديل مقترح لقانون نقابة المحامين) هي التالية:
1. لا يوقف المحامي عن تهمة متعلقة بممارسته لاعمال مهنته الا بعد موافقة مجلس نقابة المحامين على ذلك. والقصد من ادراج هذا النص لا ينحصر فقط في الحالات التي تتعلق مباشرة بممارسته لاعمال مهنتته ومن قبيلها الاخلال بنظام الجلسات. وانما يشمل ايضاً جميع الاتهامات التي توجه الى المحامي في معرض ما يمكن ان يتصل بممارسته لاعمال مهنته.
2. خضوع اي قرار يمكن ان يحد من حرية المحامي او يمس به لامر جزائي كتوقيف اداري او قضائي او حتى حكم قضائي لموافقة مجلس النقابة.
3. اشتراط حضور النقيب او ممثل له يعينه لهذه الغاية بكافة جلسات اية محاكمة جزائية لاي محام؟ هل في ذلك مساس بنزاهة القضاء؟ الجواب بالنفي قطعاً ببساطة لان قانوناً كقانون الاحداث مثلاً يقرر حضور ولي امر الحدث او المراقب الاجتماعي ولم يقل أحد ان ذلك يمس بنزاهة القضاء فلماذا يمس هذا بنزاهته؟
4. عدم خضوع قرارات نقيب المحامين الصادرة في المسائل السابقة لأي طعن او مراجعة باي طريق من الطرق.
5. عدم جواز تنفيذ اي حكم او قرار قضائي مهما كان نوعه بحق اي محامٍ وبما يقيد من حريته قبل تبليغه به بمدة لا تقل عن شهر. والسبب الداعي لهذا الحكم يتمثل في اتاحة الفرصة للمحامي المحكوم عليه بترتيب اوضاع قضاياه حفاظاً على حقوق موكليه.
اخيراً، فهذه مجموعة من الاقتراحات التشريعية التي لا بد من ان يسعى كل حر شريف في هذا البلد من اجل اقرارها لمصلحتنا ومصلحة ذراريّ ضعاف تركناهم لا محالة خلفنا وخفنا عليهم فلنتق الله على الاقل فيهم ولنقل في انفسنا قولاً سديداً، ولنترك لهم وطناً –وكلنا عن قريب تاركوه- العدل فيه وِجاءٌ من بلاء يحل وفتنة تمتد ورجاء لعاقبة يُمنُّ بها علينا وتُحمد. ووالله وتالله وبالله أقسم وأغلّظ أنني ما تغيّيت من مقالتي المساس بقضائنا الاردني ولا النيل من هيبته او الانتقاص من كرامته، أنى لذلك ان يكون وهو الذي عليه أغار وعنه أنافح وأحاجج. لكنه أمر ضاق به صدري وما كنت لأتنفس الصعداء به الا أن تصل لأولي الأمر فينا مقالتي وتدفع عن نفسي تهم السكوت عبارتي. ذلك ما كان من أمر اجتهادي في هذه المسألة، ورأيي يبقى صواباً يحتمل الخطأ ورأي غيري يحتمل الصواب، فإن أصبت فمن الله وتوفيقه، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، فعسى أن أكسب باجتهادي هذا الأجرين لا الأجر الواحد، والله من وراء القصد، وشكراً.

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
16-02-2014 11:13 AM

.
-- المجاملات لا تخدم الوطن في قضاياه الحساسة.

-- كان القضاء الارجني نموذجيا و مفخرة ثم حدثت له مجزرتين .

-- الاولى كانت بعهد حكومة زيد الرفاعي عندما عمل على ابعاد عملاق القانون و رمز النزاهة موسى الساكت و بنى اول لبنة لتسلط السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.

-- الثانية كانت قي عهد حكومة الكباريتي عندما نسق مع سميح البطيخي في اختيار اشخاص لدخول الجسم القضائي .

-- ما تلى ذلك لا داعي لذكره و التغطي بالاوهام لن يفيد.

-- الملام الاول ليس السلطة التنفيذية لانها وريث لسلطات عثمانية مستعمرة تحتقر العدالة .

-- الملام الاول هي نقابة المحامين التي تغرق بالسياسة و السفسطة و لها رأي بقضايا مينمار و جنوب السودان و تهمل بناء مؤسسة دورها الاول تحصين القضاء و حماية العدالة

.

2) تعليق بواسطة :
16-02-2014 03:56 PM

شكراً للأستاذ المحامي اشرف محمد عبد القادر سمحان على هذا الشرح المفصل ولكن من خلال تجارب مرة مررت بها مع بعض المحامين ووجدت ان قانون نقاية المحامين يحصن المحامي تجاه المواطن الموكل ان هو اخل او قصر في وكالته والسؤال من يحفظ حق المواطن تجاه المحامي ان قلت النقابه فأن اجراءاتها لاتتعدى العقاب التأديبي في احسن الحالات اما التقاضي امام القضاء فأنه مرهون بموافقة نقابه المحامين في اذن المخاصمة الا ترى ان حق المواطن مرهون بسلوك المحامي بدون اي ضمانة ؟؟؟

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012