سعد الفاعور

يا ابن عرار ما أطيب ذكراك حياً وميتا، وما آلم فرقاك على من لا زلت في قلوبهم نبضاً خافقاً. يا ابن عرار ليتك اليوم بيننا، وليت عيونك ترى ما قد كان وما جرى. يا ابن عرار علت أسوار مزارع وقصور المارقين في كل شارع، وغدت روابي عمان مستباحة من كل جانب، وبات بنو شعبك يسمون بـ  "النَوَر"، وفي عين الحقيقة من يسميهم بذلك "أنْوَرُ".

يا سيدي الشهيد يا وصفي يا ابن مصطفى، لا زال الحال على ما كان عليه عهد أبيك لم يتغير. البائعين بلادهم بقلامة، قد أقدموا، والمخلصين تقهقروا. والحر يا سيدي للعلوج بات مطية، والعفّ فينا لليهود يسمسر. يقولون عنا جهالة "نَوَرُ"، وما دروا أنّ وفائنا مما يحار بأمره المتبصر، وأنا لا نظهرُ ما لا نضمرُ، وأن حبنا للأردن باقٍ أبدَ الدهرِ، وعليه لا نفاوض ولا نساوم.

رحمك الله يا سيدي ومأواك الجنة، ولك من الله الرحمة والسلام والمغفرة. لو عشت بيننا لليوم يا سيد القوم ويا حادي الركب، ويا فارساً أبت النساء أن يلدن مثله، لقتلوك ألف قتلة، ولنحروك ألف مرة. لو عشت بيننا لليوم، لرأيت خصخصة ولصلصة وعهر، وثرثرة مغطاة بالزيف والمكر. ولرأيت أوطاناً وأعراضاً تباع وتشترى بدولار رخيص، بسوق النخاسة يغسل ويبيض.

رحمك ربي إذ تغمدك شهيداً، ولم تعش في زمن شدت فيه على قطط سروجُ. زمن بتنا نخاف فيه على البلادِ ممن يسوسونها، فيهم الذين ما وقفوا يوما بإربد ولا طافوا بشيحان، مرابين منافقين، للذهب والفضة والدولار كانزين، لا هم فقراء ولا مساكين!. بطونهم خاوية لا تشبع، وعيونهم لا يملأها التراب!. أجنداتهم مشبوهة يغذيها خرافات "فري ماسون" وبروتوكولات صهيون وتخاريص عبدة الشيطان.

ماذا أقول يا سيدي وقد وضعوا جمراً بيدي وصخراً بفمي، ماذا أقول وكل الناطقين في بلدي مضوا، ولم يبق إلا خرسان؟. يا ابن عرار، رحمك الله يا سيدي، ورحم أباك الذي عَفّت نفسه عن الكرسي والراتب وبريق الذهب. رحمك إذ توفاك شهيداً، ولم يشأ لك أن ترى ظهور خير المطايا يعلوها شر فرسان.

في ذكرى استشهادك يا سيدي نترحم على روحك الطاهرة، وعلى روح أبيك العظيمة التي لا زالت تحلق كقصيدة شعر في فضاءات الأردن وجباله ووديانه وسهوله وأغواره، بذات نكهة وطعم ولون وعذوبة موسيقى عشيات وادي اليابس، ووادي الشتا، ووادي السير، وأرياض عجلونَ، وعبق إربد وعمان والشوبك. وسحر الأعين الدعجا وخدود الحسناوات المغزولة من دحنون ديرتنا، فسبحان بارئ الأردن من باري.

في أربعينية رحيلك يا سيدي، نستذكر أباك ونشيده للصعاليك: إن المرابين إخوان الشياطين وأنهم لا أعز الله طغمتهم، لا زالوا يعتبرون الناس عبيداً لدراهمهم، وأن القوانين ما وضعت إلا تحت إمرتهم، وإنها بما يشاءون تنصُ وكيف يريدون تنطقُ. وأن الحراثين والعسكريين والهنود الحمر وأبنائهم ما غالهم واجتث دوحتهم بين الشعوب سوى حب الزعامات، وبريق الجاه والمنصب، واللهث وراء ألقاب السعادة والعطوفة والمعالي والدولة.

في ذكرى استشهادك يا سيدي، لا زلنا نذكر صرخة عرار: أأسجن الناس إرضاء لخاطركم، وخشية العزل من ذا المنصب الدون؟. هذه الوظيفة إن كانت وحائبها، وقفاً عليكم فعنها الله يغنيني، إن الصعاليك إخواني وإنّ لهم، حقاً به لو شعرتم لم تلوموني، فالعزل والنفي حباً بالقيام به، أسمى بعيني من نصبي وتعييني، يا شرّ من منيت هذي البلاد بهم، إيذاؤكم فقراء الناس يؤذيني.

يا سيدي، رحمك الله، وليتك اليوم بيننا حاضراً، ترى مقل العيون تملأها الدموع ألماً على رحيلك، وقلوب تنبض بحبك، وأنفاس غصت بالشهقات من وجع فراقك. الأبناء يا سيدي ها هم ماضون، على العهد محافظون، على الجمر قابضون، يحملون معولاً في يد ويبنون، ويحملون رشاشاً في أخرى ويقاتلون، وبالوصية عاملون، وحدائق الوطن يزرعون، ولسان حالهم يلهج بالدعاء قائلين: حمى الله الأردن، وتغمد بالرحمة والمغفرة أرواح الشهداء، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا.

صحفي أردني مقيم في الخارج

syhd91@yahoo.com