أضف إلى المفضلة
الأحد , 19 كانون الثاني/يناير 2025
الأحد , 19 كانون الثاني/يناير 2025


لك يا نبضَ الأرض...

23-05-2014 11:00 PM
كل الاردن -
جهاد جبارة - عابرُ البيداء.. الذي لجأ قلبهُ لها، فَسَكَنَ بَين رَملِها وأخفاف الإبلْ، وكادَ أن يُهاجر بسمعِه عَنْ ضَوضَاءْ المدينة، ورنين جوّالاتها، وزعيق عجلات العربات، وصُراخ أبواقها..
كما كادَ أن يُغلِق جفنيهِ عن وميض، ورقص أنوار «مولاتها»، ومقاهيها، ودور أزيائها، وعَنْ بُرتقال حافلات مدارسها، وجامعاتها، وكادَ أن يَسُدَّ قنوات أذنيه أمامَ نعيب عربات الإسعافِ، والغاز، وأزيز طلقات الأعراس، والجاهات.. وكادَ أيضاً أن يسُدَّ فتحتي أنفه فلا يعُد يشُم رائحة أدخنة الشواء، ولا العطور، ولا حتى رائحة الياسمين التي تعوّدَ الياسمين أن يُطلقُها آناءَ الليالي الحالمة..
عابرُ البيداء.. أرادَ ان يستبدل اليوم كل ذلك بابتسامات الشُهداء، وشهيقهم وهو يملأ الرئات بنسائم الجنّة، وبعطرها الذي تضوّعت به رقابهم، وبلون أحمر دمائهم، وبأضواء عيونهم التي أنارت دروبنا بعد عتمة.
عابرُ البيداء.. يُسقطُ جبهته على التُراب الذي ارتوى وما اكتفى بالنجيع الأزكى، ويَرفَعُ بصره نحو السماء فيدوخ في زراقها نشوةً ويهمس في أذن الوَطنْ مباركٌ الدمْ، ومبروك عليك، ولك الاستقلال يا حبّة العين، ويا غلا الروح.
عابرُ البيداء.. المأخوذ بأريج بُنتّها، وصهيل خيلها، وأنين ربابها ترحَلُ روحه اليوم لتسجد على عتبات الأقصى ولتستحضر روح الشهيد «عبدالله المؤسس» مُنجِب الاستقلال من رحم الشوق الأردني التواق للكرامة، والتحرُّر، ولِتُلقي بأهداب العينين على قطرات دمه سلاماً يتلوه سلامْ، ولتقرأ على روحه الفاتحة ثم لا تلبث أن تحلِّقْ لتُقَبِّل شاربَ «الحسين» الذي زَيّنَ الاستقلال حين البسَ جيشنا عباءة عربية خالصة خيوطها من شرايين الفُرسان الذين تتذكر القدس العتيقة حَفْرَ آظافرهم على حجارة أسوارها.
عابر البيداء.. يبعث اليوم بقلبه نحو قمم عجلون، والبلقاء، والكرك ليتوضأ بغيم آيار الملبّد بأنفاس الشهداء قبل ان ينحني على سجادة الاستقلال ليُصلي، بينما روحه تمرح على ذلك التراب العنابيّ الذي فرشته الملائكة على سهل حوران، وسهول مادبا ثم تطير بعيداً لتستحم في مياه النهر المقدّس.
يا أيها الوطن المخلوق من أكبادنا عليك، ولك سلام الله، ولك من خفقات القلوب نصيب، ولعينك نقدّم نذور الدم، فأنت ومنذ العصر الحجري القديم اي 14000 قبل الميلاد، وبعده العصر الحجري الاوسط الذي امتد من 14000 حتى 8000 قبل الميلاد ليلحق به العصر الحجري الحديث المبكر اي من 8000 حتى 6000 قبل الميلاد ثم الحجري الحديث اللاحق من 6000 لغاية 4500 قبل الميلاد وانت المأهول بالناس، المأخوذين بطيب هوائك، ومائك، وترابك يا ايها العتيق المعتّق في خوابي الروح عليك، ولك سلام الله.
يا ايها الوطن الممتد من حجرات القلب حتى نافذة العين، وحبتها، عليك سلام الله ثم سلام من الادوميين، والمؤابيين والحشبونيين (نسبة الى حسبان) والعمونيين والانباط الذين سكنوك ورحلوا لكنك بقيت لهم زوادة الرحيل يا اطيب ارض، وانقى هواء، واعذب ماء، عليك ايضاً من عابر البيداء سلام.
يا سيدي الوطن، عليك الرضا الالهي، ولك ايضاً رحمته، افرح اليوم، فها هي الطيور التي هجرت اعشاشها وقد امتلأت حزنا طربت اذ لامست اجنحتها فضائك، وغسلت احزانها بمياه غدرانك، يا ايها الطيّب الكريم الذي ما رددت ضيفاً ولا اطفأت ناراً، ولا نضبت دلال قهوتك، نسكب اليوم في اقداحك شراب شكرنا المعتّق داخل شرايين القلوب.
يا سيدي الوطن، وانت القلب الموشوم بأسماء الله الحسنى لتقيك شرور الحاسدين والطامعين، لك ايضاً نذبح العمر، وننذر النذور، ونحرث في سهوب المجد، والكرامة لنزرعك غاراً يطوّق جبين زمن الكبرياء القادم باذن الله لا محالة، عليك ايضاً، وايضاً سلام الله.
يا شيخنا، وجدنا، وجدتنا، وابانا وامنا وابننا.
يا حرفنا ورقمنا ولوننا.
يا بيتنا، وخيمتنا، يا سترنا.
يا امسنا، ويومنا، وغدنا.
يا صيفنا، وربيعنا، وشتاءنا.
انت يا «نحن» اعمارنا
يا نبض الارض، يا صاحب المجد، والكرامة بعد الله، ينبغي لك التقديس..

jihadjbara@yahoo.com
التعليقات

1) تعليق بواسطة :
26-05-2014 12:54 PM

كعادتك يااستاذ جهاد تملك نواصي الأبجدية وتنثرالكلمات مثل الدر الذي يشع بكل ألوان الطيف فيخلب العقول والأنظار لاعدمنا إبداع قلمك الراقي .عشت وعاش الوطن

2) تعليق بواسطة :
26-05-2014 01:40 PM

سلمت وسلم قلمك أستاذ جبارة
جزاك الله خيرا على كل حرف خطيته بمداد قلمك النقي ..أيه الوفي لهذا التراب في زمنأصبح الوفاء له تهمة بل خيانة ووهم
شكرا لك أيها الأردني الأبي لعزفك لهذا اللحن الجميل في عشق هذا الوطن المستباح
لثلة من الفاسدين من الغرباء عن ترابه الطهور ولا يربطهم به إلا وثيقة السفر ورصيده البنكي.
تحية لك وللأوفياء لهذا التراب أيا كان منبتهم وجنسهم ولونهم .
نيابة عنك أيها الوفي أقدم سمفونيتك الجميلة للدكتور لبيب قمحاوي لعل وعسى
أن يتعلم منها شيئا ممن كان يجهله عن الأردن وتاريخه.

3) تعليق بواسطة :
26-05-2014 10:34 PM

من اجمل واصدق واعمق ما قرأت في عشق هذا التراب الغالي ..حفظ الله الاردن

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012