|
|
أمة تتشظى وعدو يتحدى
بقلم : فريق ركن متقاعد موسى العدوان
08-07-2014 11:59 AM منذ أربع سنوات على الأقل والأمة العربية تعيش دوامة القتل والتدمير ، وتفتيت كياناتها المفتتة أساسا منذ اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 وحتى الآن . ولكن في خمسينات القرن الماضي ظهر المد القوي وقامت خلاله وحدة بين بعض الدول العربية . فاستبشرنا بها خيرا كبارقة أمل نبتغيه لوحدة الأمة العربية الشاملة . إلاّ أن شعلة الأمل تلك ما لبثت ـ مع الأسف ـ أن انطفأت ، وعادت دول الوحدة إلى التمزق والانفصام ، وبرز شعور القُطْرية يطفو على السطح ، وسيطرت نزعته على عقول الشعوب العربية أفرادا ومسئولين .
انشغلت تلك الدول فيما بعد بقضاياها الداخلية ليس من أجل تطوير حياة شعوبها ، بل من أجل السيطرة والاستبداد والاقتتال الداخلي وتدمير مقومات الأمة كل في موقعه خدمة للعدو الصهيوني . فكانت النتيجة أن تحطمت قواها العسكرية والاقتصادية والنفسية ، وأكرهت أنظمة الحكم العربية شعوبها على تناسي عدوها الحقيقي ، واستبدلته بأعداء آخرين وصفتهم بالإرهابيين والخارجين على القانون .
لقد تناست تلك الدول أن التوجه نحو العدو الحقيقي المشترك يوحد جهود الأمة ويجمع صفوفها ويبعدها عن الشرذمة التي تصب في صالح العدو . فها هو العدو يراقب بارتياح هذه الأيام ما يجري من اقتتال داخلي وعدم استقرار في سوريا والعراق ولبنان ومصر وليبيا واليمن والسودان . أما في الأردن فينشغل الشعب بمواجهة الفقر والبطالة والبحث عن لقمة العيش ، وإطفاء المشاجرات الطلابية في الجامعات ، وكذلك بين أفراد الشعب ، وما يتبعها من توترات إثر إجراءات القوى الأمنية في مناطق مختلفة من المملكة . فشكلت هذه الأوضاع سببا ضاغطا في توجيه انظار المواطنين إلى خصومهم المحليين بعيدا عن عدوهم التقليدي .
من الواضح أن القوى الأمنية أصبحت تحتل المرتبة الأولى في اهتمامات الدول العربية ، بينما تراجع الاهتمام بالقوى العسكرية لتحتل المرتبة الثانية في سلم الأولويات الوطنية . وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن استراتيجية استخدام الجيوش العربية بصورة مشتركة ، للدفاع عن أراضيها وتحرير الأراضي المغتصبة ، أصبحت تحتل مرتبة متأخرة في حسبان مسئوليها . وبدلا من ذلك أخذ الاهتمام يوجه إلى قضايا الارهاب المفترض ، باعتباره العدو الأول لأنظمة الحكم والشعوب .
وتحت هذا العنوان الفضفاض سُنّت قوانين الارهاب بما يحد من الحريات العامة ، وقد يسهّل توجيه هذه التهمة لأي ناشط يبدي رأيا لا يعجب صاحب القرار . وعلى هذا الأساس أخذت أجهزة الأمن العام والدرك بالتضخم على حساب القوات المسلحة ، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب المزعوم . نحن نؤمن بأهمية حفظ الأمن والاستقرار في البلاد ، ونؤكد على محاربة الإرهاب الحقيقي ، على أن لا تكون تلك الذريعة كلمة حق أريد بها باطل . فمعالجة القضايا الأمنية المحلية يعتمد أساسا على تقصي أسباب الشكوى ، ومحاولة حلها من قبل الحاكم الإداري قبل أن تستفحل ، وقبل اللجوء للقوة المسلحة التي ستزيد الأمر تعقيدا.
ونتيجة للاهتمام بالقضايا الأمنية الداخلية للحفاظ على أنظمة الحكم القائمة ، فقد أٌهمل التسليح الحديث في القوات المسلحة ، وبيعت أسراب من الطائرات المقاتلة دون توفر بديل فاعل لها ، واستمر التوقف عن تفعيل خدمة العلم ، التي تغرس قيما عليا في سلوك الشباب ، وتهيئهم لدورهم المنتظر في حماية الوطن .
إن الاعتماد على قوى أجنبية لحماية البلاد ، أدى إلى تراخي الأمة وميوعة الأجيال الناشئة ، وأصبح الاهتمام المادي يطغى على كل ما سواه . والمثال على ذلك لاحظناه قبل اسبوعين عندما تسرب خبر إمكانية تفعيل خدمة العلم ، فثارت المخاوف والانتقادات من قبل المواطنين . الأمر الذي دفع وزير الإعلام لنفي الخبر وتهدئة النفوس ، والتأكيد بأنه لو تم هذا القرار فلن يطبق قبل سنتين قادمتين . وإذا ما نظرنا بالمقابل إلى العدو الإسرائيلي فسنجد أن الخدمة الإلزامية تطبق ليس على الرجال فحسب بل حتى على النساء .
أما فيما يخص العسكريين في بلادي ، فأعتقد أن لديهم معضلة سيكولوجية غير ظاهرة للعيان ، تتعلق بما يطلق عليه عسكريا ' العقيدة العسكرية ' . وهذا المصطلح العسكري يشمل بصورة عامة ، التعاليم وأساليب القتال التي تعتمدها القوات المسلحة في صراعها مع العدو . تلك التعاليم يجب أن تغرس في ضمير ونفسية كل جندي وضابط ، لكي تعيش في أعماقه خلال خدمته الفعلية ، وتمتد معه حتى بعد تقاعده ، لأنه سيشكل جزءا من القوة الاحتياطية الرديفة للقوات المسلحة وقت الحرب .
والعقيدة العسكرية تُبنى على تحديد من هو العدو وما هي أهدافه وإمكانياته وأساليبه القتالية ، فيجري التدريب عليها في وقت السلم لمعرفة كيفية التغلب عليها عند مواجهة العدو في معركة المستقبل ، تطبيقا للقاعدة العسكرية الهامة ' تدرب كما تقاتل وقاتل كما تدربت ' . ويطبق هذا عمليا من خلال التمارين الميدانية المشتركة سواء كانت صغيرة أو كبيرة ، ويجري التركيز بها على التعاون بين مختلف صنوف الأسلحة البرية والجوية والبحرية .
وفي وضعنا الراهن لابد وأن يطرح الجندي في القوات المسلحة على قائده السؤال التالي : من هو العدو الذي سنقاتله ؟ ولا أعرف إن كانت إجابة قائده ستكون صريحة وواضحة بأن ' عدونا الذي سنقاتله هو إسرائيل ' أم أن إجابته ستكون غامضة وتبتعد عن الحقيقة ، اعتمادا على معاهدة السلام المعقودة بين الحكومتين الأردنية والإسرائيلية . أما إذا جرى الافتراض بأن العدو يمثل دولة وهمية بمعطيات تختلف عن معطيات العدو الحقيقي ، فإن ذلك سيكون مظللا للمقاتلين ولن يغرس في قلوبهم إرادة القتال المطلوبة .
صحيح أننا نرمز لقوات العدو في التمارين العسكرية بالدولة الحمراء وللقوات الصديقة بالدولة الزرقاء ، ولكن لابد عند الدخول في المعلومات عن العدو المفترض في التمرين ، من بيان تسليحه ونواياه ونظام معركته وأهدافه المحتمله . وإذا كان التمرين يجري على نطاق واسع ويحضره عسكريون من دول شقيقة وصديقة من بينها إسرائيل ، فهل يجرؤ مدير التمرين الإشارة إلى العدو الحقيقي بصراحة مطلقة ؟
قد يقول بعض المتحذلقين أن بيننا وبين إسرائيل معاهدة سلام تلغي حالة الحرب بين الطرفين ، ولا حاجة للاحتفاظ بقوات مسلحة كبيرة ومتطورة ، لاسيما وأننا لا نستطيع التفوق على إسرائيل بالقوة العسكرية ، وتكفينا التعهدات الدولية بتقديم الحماية اللازمة لنا . وجوابي على ذلك أن إسرائيل لم ولن تتخلَ عن أهدافها التوسعية ، ولم تخفض قواتها المسلحة رغم توقيع معاهدتي السلام مع الأردن ومصر ، وما زالت تطور قدراتها التسليحية والتكنولوجية بصورة مستمرة .
وبناء عليه فلا يجوز أن نشحن جنودنا بالروح الانهزامية والاستسلام للعدو ، اعتمادا على تقديم الحماية لنا من دول أجنبية ، بل سنقاتل دفاعا عن وطننا بكل شراسة وبما يتوفر لدينا من سلاح . وإذا ما غرس الإيمان والتصميم وإرادة القتال في قلوب المقاتلين ، فإنهم سيحققون النصر على العدو في حروب المستقبل ، إقتداء بقوله تعالى في محكم كتابه : ' كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ' .
وقبل أيام صرح نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ، بأنه يتعين على إسرائيل دعم الأردن أمام تهديدات داعش ، ودعم طموح الأكراد في العراق للاستقلال ، والاحتفاظ بغور الأردن لوقت طويل ، والحاجة لإقامة سياج على حدود إسرائيل الشرقية ، وكأنه الحاكم الأوحد في منطقة الشرق الأوسط .
كل هذا الصلف والتحدي للأمة العربية من قبل رئيس وزراء العدو ، لم يقابله من دولنا العربية إلا تصريح خجول أصدرته الحكومة الأردنية ، أعلنت به بأن الأردن لم يطلب الحماية من أحد . وهذا الموقف المحزن الذي نعيشه حاليا يعبّر عن حالة الضعف والهوان الذي وصلت إليه الأمة العربية ، نتيجة لتشضيها كقطع متناثرة على خارطة المنطقة ، فعجزت عن بناء قدراتها العسكرية والحفاظ على وحدتها كقوة فاعلة على الساحة الدولية . ومع كل هذا فإن لي وطيد الأمل بأن تنهض أمتنا من كبوتها في يوم قادم ، وتستعيد وحدتها لتحرر أرضها المغتصبة وتثأر لكرامتها المستباحة .
|
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012
|
|