30-12-2010 11:58 AM
كل الاردن -
كل الأردن-وصل إلى 'كل الأردن' توضيح من التيار الوطني التقدمي حول برنامجه السياسي، وخصوصاً في الشق المثير للجدل حول التيار والمتعلق بالهوية الوطنية الأردنية، والعلاقة الأردنية-الفلسطينية. وتالياً التوضيح:
برنامج التيار الوطني التقدمي حول الإصلاح السياسي يختلف، نوعيا، عن البرامج الليبرالية المطروحة بكل تلاوينها من أوساط النظام والمعارضة معا، وذلك في ثلاثة محاورهي (1) إعادة تأسيس الدولة، (2) الربط العضوي بين الديموقراطية السياسية والديموقراطية الاجتماعية، (3) الإستقلال المحمي باستراتيجية دفاعية.
إن موقفنا القائل باستحالة الديموقراطية من دون عدالة اجتماعية يكفلها قطاع عام قوي وديناميكي ونقابات وتعاونيات حرة، معروف جيدا وهو يدخل في صلب تسمية تيارنا بالتقدمي، كما أننا أصدرنا أكثر من وثيقة توضح موقفنا الذي يرى استحالة التقدم الأردني من دون سياسات تُخضع العلاقات الخارجية للمصالح الوطنية، وهو مضمون الاستقلال، ويعتبر أن وجود الدولة الأردنية واستقلالها وتقدمها مرهون باستراتيجية دفاعية فعالة في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
لذلك، سنركز نقاشنا هنا على المحور الأول، المثير للجدل عادة، وهو المتعلق بالضرورة التاريخية لإعادة تأسيس الدولة الأردنية في ضوء إنفصال الضفة الغربية. وهي مهمة لم تُنجَز أردنيا على الرغم من أن الإنفصال أصبح واقعا سياسيا منذ وقت طويل. ولم تقم الحكومات المتعاقبة منذ صدور قرار القمة العربية في الرباط العام 1974 بإعلان جماعي يؤيد مطلب منظمة التحرير الفلسطينية بإنفصال الضفة الغربية عن الأردن، بمراجعة دستورية وقانونية تأسيسا على ذلك. وكل ما صدر، وبعد 14 عاما من ذلك القرار، هو مجرد ' تعليمات' ـ وهي تقع في المرتبة الرابعة بعد الدستور والقانون والنظام ـ وهي فوق ذلك تتسم بالغموض.
قرار وتعليمات فك الإرتباط للعام 1988، بطابعهما غير الدستوري وغير القانوني، يضعان قرارات مصيرية مثل إقامة كونفدرالية جديدة مع ضفة غربية مصغّرة ومجزأة وحتى محتلة أو القيام بدور أردني ـ سياسي أو أمني ـ في الضفة الغربية، في خانة قرار حكومي لا يحتاج حتى لموافقة البرلمان.
من جهة أخرى، فإن التعليمات المرتبطة بالمواطنة المتداخلة والمزدوجة بين الأردن والضفة الغربية، بقيت معلقة بقرار إداري وأمني لدى وزارة الداخلية. وهو ما نشأ عنه وضع قانوني مضطرب يهدد من جهة شرعية مواطنة وحقوق قسم كبير من الأردنيين من أصل فلسطيني بصورة دائمة ويخضعهم سياسيا مقابل الجنسية المهددة، ويهدد من جهة اخرى التكوين الوطني الأردني بإغراق البلد بمهجرين ومجنسين جددا من الضفة الغربية.
وبإيجاز يمكننا القول إن سحب الجنسية ومنحها يتمان الآن بصورة إدارية وتتحكم فيهما معا وزارة الداخلية وليس القضاء.
إن هذا الواقع المضطرب هو السبب الرئيسي الذي يعرقل التحوّل الديموقراطي في البلاد من خلال استخدام الإنشقاق الداخلي والغموض وانعدام الثقة لتجريف قدرة الجماهير على فرض التحول الديموقراطي. وهي قدرة تشكلت منذ هبة نيسان 1989 وما تزال تتعزز سنة بعد أخرى، لكن يتم تجريفها بالمخاوف المتبادلة بين الأردنيين ومواطنيهم من اصول فلسطينية. فالأردنيون يخشون أن يؤدي تحول ديموقراطي في ظل اضطراب الوضع القانوني للتجنيس إلى تحقيق الوطن البديل بوسائل ' ديموقراطية'، بينما يلجأ القسم الرئيسي من الجماهير الأردنية ـ الفلسطينية إلى الاعتكاف السياسي خوفا من تبعات ديموقراطية شرق أردنية تؤدي إلى المس بمواطنيتهم وحقوقهم المكتسبة. والرابح الوحيد في هذه المعادلة هي النخب الحاكمة الفاسدة والمستبدة.
وعلى كل حال، فإن الديموقراطية في اي بلد غير ممكنة من دون تحديد ' الهيئة العامة ' للدولة أي للمواطنين الذين يتمتعون بالحق الجماعي بالسيادة.
لقد تأخرت ، بل وتعفنت مهمات إعادة تأسيس الدولة الأردنية، مما خلق أشكالا عديدة من انماط الولاء لما قبل الدولة الحديثة، وأغرق البلد بالانقسامات والعنف الأهلي ومنع تكوّن القوى والحركات الاجتماعية والسياسية على المستوى الوطني.
إن إعادة تأسيس الدولة الأردنية تتطلب ما يلي:
اولا، إلغاء جميع التعديلات التي أُدخلت على الدستور الأردني لسنة 1952، و بعضها تم لعرقلة التطور الديموقراطي للبلد، وبعضها تم على أسس لم تعد قائمة، ومنها منح الملك حق تأجيل الانتخابات العامة بحجة تعذر اجرائها في الضفة الغربية التي أصبح لديها اليوم مجلس تشريعي خاص بها.
ثانيا، تعريف حدود المملكة في ملحق دستوري
ثالثا، تحديد وتحويل تعليمات فك الارتباط لسنة 1988 إلى قانون، تنبني عليه تعديلات في قانون الجنسية، وكذلك في جملة من القوانين التي ما تزال تربط الأردن والضفة، ومنها ـ مثلا ـ قوانين النقابات المهنية ، في إطار مراجعة قانونية شاملة.
رابعا، إجراء التعديلات القانونية التي تراعي الحقوق الانسانية والاجتماعية والنقابية والبلدية والتعليمية والصحية وحقوق التملك والعمل لجميع المقيمين في البلاد بغض النظر عن الجنسية، وفقا للأسس المرعية في الشرائع الدولية لحقوق الإنسان.
إن حقوق المواطنة هي حقوق سياسية محددة تعني أعضاء الدولة بغض النظر عن اصولهم، أما حقوق الإنسان فهي حقوق مطلقة تعني جميع السكان.
إن حقوق المواطنة المكتسبة بالنسبة للأردنيين من أصل فلسطيني ينبغي ألا تظل خاضعة للقرار الإداري والأمني بل ينبغي أن يحددها القانون، وتُحال المشكلات المتعلقة بها إلى القضاء. أما حقوق الإنسان فهي الحقوق المنقوصة الفعلية للفئات الشعبية من اهل البلد والمجنسين والمقيمين على السواء، وينبغي تحصيلها للجميع على السواء.
إن إنتظار إعادة تأسيس الدولة الأردنية إلى أن يُنجَز حل للقضية الفلسطينية هو في غيب التاريخ، ويتعدى قدرة الأردن وإرادته حتى لو أراد، إن ذلك الانتظار أدى إلى تعفّن الدولة والمجتمع.
لدى إلغاء التعديلات على دستور 1952 وإقرار دسترة وقوننة فك الارتباط مع الضفة الغربية ومراجعة كل القوانين التي تنسجم مع ذلك، سوف تنشأ لدينا الهيئة العامة من المواطنين المنضوين في دولة دستورية تحت سيادة القانون. وبذلك، يمكن الانتقال إلى قانون انتخابات عامة على أساس القائمة النسبية في دائرة على المستوى الوطني ( تكفل في الوقت نفسه تمثيل المحافظات واندماجها بحيث يشترط القانون تشكيل القوائم المتنافسة من جميع المحافظات والكوتات الدينية والإثنية وفق النسب المرعية). إن النسبية في دائرة وطنية هي الطريق الممكن نحو الاندماج وتشكيل الأحزاب التي تخترق العصبيات والجهويات وتسمح بتكوين قوى سياسية قادرة على تشكيل حكومات برلمانية على أساس الأغلبيات السياسية لا على اساس المحاصصة.
في هذا السياق، سوف يحدث تدامج وطني على أسس اجتماعية وثقافية وفكرية، مما يجعل العصبيات تتراجع لصالح النقابات والتعاونيات والأطر العمالية والمهنية والمنابر الفكرية الخ
ولن يحدث ذلك، بالطبع، بين عشية وضحاها، بل في عملية نضالية شاقة ولكنها ممكنة.
27 كانون الثاني 2010