بقلم : محمد عودة - موسكو
31-07-2014 02:17 PM
أصبح أمر إنشاء كتيبة عسكرية لضم المتطوعين الشيشان الذين يرغبون بالقتال في أوكرانيا هاجساً و مطلباً مهماً لأمراء الحرب السابقين والقادة السياسيين الانفصاليين الشيشان الذين فروا من روسيا إلى أوروبا وجورجيا بعد استقرار الأوضاع في الشيشان. فنراهم اليوم و من خلال الشبكات الاجتماعية المختلفة يعملون بنشاط على تجنيد الجماعات المرتزقة للقتال في صفوف الجيش الأوكراني ضد سكان جنوب شرق أوكرانيا الذين يدافعون عن مناطقهم مثل دونيتسك و لوغانسك. و من هذه المنظمات التي ترسل مقاتليها الى أوكرانيا 'منظمة القوقاز الحرة'، و مقرها النمسا, هذه المنظمة معظم أعضاءها هم من المسلحين الشيشان السابقين.
فبحسب موقع على الانترنت يسمى Chechenews، أعلنت الهيئة الرئاسية العليا لمنظمة'القوقاز الحرة' قرارها بإنشاء كتيبة للمتطوعين اسمها كتيبة 'جوهر دودايف ' هدفها مساعدة الشعب الأوكراني في نضالهم ضد 'المحتل الروسي'داخل الاراضي الأوكرانية. ظهرت هذه المعلومات في الشبكات الاجتماعية في أوائل شهر مارس، ولكن اليوم يتم الترويج لها بنشاط ملحوظ. فمهمة إعلان التعبئة العامة بين أفراد الجاليات الشيشانية في الخارج لتشكيل كتيبة المتطوعين هذه انيطت لأمير الحرب السابق الشيشاني 'عيسى مونايف' و ذلك بعد تعيينه قائداً لهذه الكتيبة من قبل منظمة 'القوقاز الحرة'.
هذه المبادرة لإنشاء كتيبة من المتطوعين حظيت بدعم كبير من شخصيات و منظمات داخل و خارج أوكرانيا، و خصوصاً من القوميين أو ما يُسَمَون بالنازيين الجدد في أوكرانيا- على سبيل المثال منظمة 'سفابودا' و 'برافي سيكتر'، وكذلك الا دوداييف (أرملة الرئيس الشيشاني السابق جوهر دوداييف)، عندما أرسلت رسالة الى منظمة 'القوقاز الحرة' تحدثت فيها عن نيتها في مساعدتهم في نشر خبر إنشاء كتيبة المتطوعين' بين جميع الشيشانيين الذين يعيشون في جورجيا و حثهم على التطوع للقتال في صفوفها.'
بشكل عام، يتفق العديد من الخبراء أن مبادرة 'القوقاز الحرة' ينبغي أن تفهم على أنها كانت رداً على بيان الرئيس الشيشاني رمزان قديروف الذي جاء فيه انه 'إذا استمرت كييف في الكذب و المخادعة و القول بأن المقاتلين الشيشان هم من يقومون بالأعمال التخريبية و الاستفزازية داخل الاراضي الأوكرانية، فإنها بالتأكيد ستحصل على ما تريد و سأقوم بإرسال المتطوعين الشيشان للقتال الى جانب المناهضين لحكومة كييف في مناطق لوغانسك ودونيتسك'.
فبحسب قول المحلل السياسي الأوكراني الكسندر مالاشينكو، بالتأكيد كييف مهتمة بتجنيد مقاتلين أجانب للقتال جنباً الى جنب مع قوات جيشها، فكما هو واضح بدأت الروح المعنوية للجيش الأوكراني بالانخفاض و التراجع فهم لم يكونوا مهيئين للخوض في صراع عسكري طويل الأمد, و لم يتوقعوا هم اصلاً هذه المقاومة الشرسة من قبل المقاومة المدنية في لوغانسك ودونيتسك و هذا ما يفسر سبب الهروب الجماعي لأفراد الجيش الأوكراني و رفضهم القتال في مناطق النزاع.
في الواقع، و على ما أظن فإن فكرة إنشاء كتيبة المتطوعين الشيشان هذه لم تكن فكرة منظمة 'القوقاز الحرة' بل كانت فكرة المخابرات الأمريكية وحلف شمال الاطلسي - فبحسب رأيهم بطريقة أو بأخرى يجب رفع او الحفاظ على ما تبقى من الروح القتالية للجيش الأوكراني الذي ذاق الويل في هذه الحملة العسكرية و التي ظنتها كييف بانها ستكون حملة عسكرية خاطفة و لكننا نرى بشكل واضح فداحة الخسائر التي منيت بها كييف، و الفشل العسكري في السيطرة على الجنوب الشرقي من البلاد ، و مما لا شك فيه بأن هذه الحملة العسكرية تحولت الى حرب أهلية راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء. - و شرد الآلاف من الأوكران منهم من غادر في بداية الأزمة الى أوروبا اما القسم الأكبر فقد لجأ الى روسيا و مع كل هذا بقي الاتحاد الاوروبي صامتاً فبحسب رأيهم لم يرقى هذا النزاع لمرتبة الحرب الأهلية فكمية الدماء التي أريقت لم تزل قليلة حسب ميزانهم الدموي.
اذكر عندما قال لي أحد الضباط الذين خدموا في صفوف القوات الخاصة الأوكرانية ' بيركوت' أن 'المقاتلين يرون و يشعرون بكل التناقضات و الحسابات الشخصية في السياسة. ففي الجبهة، تستطيع على الفور معرفة طبيعة المقاتل الذي يقف أمامك و ما الذي يدفعه أصلاً لقتالك- إما ان تكون الإرادة أو قوة المال. والمال شحيح جداً في الجيش الأوكراني ، و لكي نكون أكثر دقة، فهو ليس موجوداً أصلاً بين يدي الحكومة الجديدة في أوكرانيا التي تعاني من مأزق حقيقي و أزمة اقتصادية غير مسبوقة تعصف بكيانها ككل... '.لذلك تستميت السلطات الحالية في كييف في البحث عن مصادر تمويل جديدة تساعدها على تسليح المتطوعين و المجموعات العنصرية الاخرى لإستخدامهم في إخماد الثورة المشتعلة في جنوب شرق البلاد.
و لذلك و على الجانب الاخر نرى قادة الانفصاليين الشيشان في جورجيا و في أوروبا يعملون أيضاً على إيجاد الداعمين و الممولين في أوروبا و في العالم لتشكيل 'كتيبة المتطوعين'. قاطعين وعوداً على أنفسهم ان يقوموا بتجهيز معسكرات في منطقة الشرق الأوسط لتدريب المتطوعين المتشددين و تسليحهم و من ثم نقلهم الى أوكرانيا. في الواقع هذا الحل يرضي الغرب تماماً، فكما نعرف ان الجيش الأوكراني لا يملك المال و لا السلاح الكافي و لا الإمكانات اللوجستية التي تسمح له بالقتال لفترة طويلة ، هذه الحقائق كانت قد تحدثت عنها و أكدتها سابقاً الطيارة الأوكرانية ناديجدا سافتشينكو و التي تقبع الآن في سجن مدينة فورونيج الروسية ، على ذمة التحقيق كونها يشتبه بها بالتواطؤ في اغتيال صحفين روس بالقرب من مدينة لوغانسك. بالمناسبة، شاركت سافتشينكو في الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق في عام 2003 و التي أدت لإسقاط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين و من ثم إعدامه بعد محاكمة صورية لم تستند الا على الأكاذيب فقط'.
و لأن أسلوب الولايات المتحدة و الغرب في التعامل مع القضايا العالمية يستند فقط على إشعال الصراعات الدينية و الجيواستراتيجية في العالم، فإنهم بقوا على اتصال مباشر مع القيادة العسكرية والسياسية في كييف، و اصبح العديد من القادة القوميين او النازيين الجدد يحثون على إنشاء كتيبة المتطوعين الشيشان تحت إشراف مباشر من الولايات المتحدة و بمساعدة من مدربين محترفين - كالمتقاعدين العسكريين من حلف شمال الأطلسي، فضلاً عن مدربين من دول البلطيق. هذه الطريقة التي أثبتت فاعليتها في افتعال النزاعات الدموية كما حصل في دول 'الربيع العربي'، هذه السياسة الحمقاء عملت فقط على زيادة مشاعر الكراهية و الغضب في العالم العربي تجاه أمريكا و الغرب.
- فبحسب القائد الشيشاني عيسى مونايف و بعد نشر الإعلان عن تشكيل كتيبة المتطوعين الشيشان انهالت عشرات الطلبات على عنوان البريد الإلكتروني لمنظمة 'القوقاز الحرة' من المتطوعين الشيشان من جورجيا وأذربيجان وبولندا وليتوانيا واستونيا والسويد وانجلترا والنرويج والدنمارك وفرنسا والنمسا وفنلندا وحتى من روسيا، يطلبون فيها قبول طلباتهم للمشاركة في كتيبة المتطوعين.
ومع هذا و لو حاولنا معاً تقييم الوضع الحقيقي لصحة هذه المعلومات ، فسنجد ان الشيشانين المتطوعين و الذين يعيشون في أوروبا وتركيا وجنوب القوقاز، لن يذهبوا للمشاركة في النزاع الأوكراني من وجهة نظر وطنية أو ايديولوجية، هم سيذهبون كمرتزقة يحاربون من اجل المال فقط في حرب ليس لهم فيها لا ناقة و لا جمل.، فلذلك كييف بحاجة إلى المال، و المال موجود فقط لدى الملياردير الأوكراني اليهودي الأصل ايغر كولوموسكي، والذي يملك كتيبة من المرتزقة تحت إسم 'دونباس'، و التي تقاتل ضد سكان مدن جنوب شرق أوكرانيا. فمن المحتمل أن الملياردير قام بدعوة المتطوعين الشيشان للانضمام إلى صفوف كتيبته'. فبحسب السكان المحليين في مناطق النزاع فقد سمعوا لهجة تختلف عن لهجة أهل البلاد و لاحظوا وجوهاً اقرب ما تكون شبيهة بأهل القوقاز في صفوف الجيش الأوكراني الذي يحارب في مناطقهم.
فمن الواضح أن الأزمة الأوكرانية يمكن أن تلعب ضد أوروبا نفسها. فأنا أعلم أن اجهزة المخابرات الأوروبية هي الآن أكثر قلقاً من أي وقت مضى، فالمقاتلين الشيشان الذين خاضوا الحروب في عدة مناطق نزاع في العالم كسوريا و البلقان و أفغانستان و العراق و غيرها من مناطق النزاع في عالمنا, هذه النزاعات التي هي بالاصل من صنع الغرب نفسه ،و سبب قلقهم هو خوفهم من ان يشكل هؤلاء المقاتلين منظمات إجرامية و ارهابية في قلب أوروبا نفسها. فهل يعقل ان ما يجري في سوريا والعراق اليوم لم يكن درساً تعلم منه الغرب بأنه احياناً يمكن ان ينقلب السحر على الساحر؟ فها هي جماعات المعارضة السورية و التي تلقت و ما زالت تتلقى الدعم من الولايات المتحدة الامريكية و الغرب كالجيش الحر و داعش، داعش التي أعلنت عن إقامة الخلافة الإسلامية في العراق و سوريا، فاستولت على المدن العراقية و السورية وقتلت المدنيين العزل فقط لأنهم أهل كتاب! فيا أهل القوقاز أينما كنتم هذه الحرب ليست حربكم.. هم يريدونكم ان تدخلوا حربهم بالإنابة، اذهبوا للقوقاز و ازرعوها و عمروها فهي أولى بكم.