أضف إلى المفضلة
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025


ملامح وخصائص السياسة الخارجية " ح 7 " من كتاب فؤاد البطاينة

04-09-2014 10:16 PM
كل الاردن -
نشر اليوم الحلقة السابعه من كتاب السفير السابق فؤاد البطاينه بعنوان السياسة الخارجية الاردنية وتطورها :


ملامح وخصائص السياسة الخارجية :

إن احتكار القيادة الهاشمية ممثلة بالملك للسياسة الخارجية قد أضفى بدوره على هذه السياسه ميزات وملامح خاصة بها ولا مجال لتداركها فكان من الطبيعي أن تكون سياسة بلا معالم محدده ، وغير ثابته ولا مستقرة بل متغيره ومراوغه وتبدو للكثيرين هلامية وغامضه أو ضبابية ولكنها بالتأكيد متقلبه ومتناقضه أحيانا ويراها الكثيرون بأنها سياسة مواقف متغيرة السلوك . وقد انسحبت بعض هذه الملامح على سياسة القيادة في الشأن الداخلي وذلك خدمة لهدفي السياسة الخارجية ومتطلباتهما الداخلية . لكن الفارق هنا أن المواطن البسيط يدرك ذلك تماما ، ويدرك أن الملك هو صاحب الأمر المسئول مهما كانت الضبابية وكان التناقض . فنرى هذا المواطن يتعامل مع الواقع الداخلي على سبيل المثال بطرق ملتوية من خلال اتهام رؤساء الحكومات بالضغوطات المعيشية علي المواطنين والطلب من الملك أن يتدخل أو أن يقيل الحكومة ، وتكون اجابة الملك عادة متأنية ومتأخرة ولكن من خلال ملامح السياسة الخارجية لمعرفته بأن هناك من يعتقد وهناك من يريد أن يعتقد أيضاً بعدم مسئولية الملك مباشرة عن قرارات الرئيس تلك ، المؤدية للضغوطات المالية والمعيشية على المواطن وقرار استقبال ما يوازي ثلث سكان الأردن من اللاجئين السوريين لوحدهم بالمجان واستنزاف مواردنا المحدودة على سبيل المثال .
أما الحكومات بأجهزتها كجهات منفذة لقسم كبير من السياسات ولأدواتها بموجب قرارات أو تعليمات ، فليس بالضرورة أن تكون على علم بطبيعتها وبهدفها أو مراميها .. ولا شك بأن كونها سياسة من اختصاص الملك كرجل واحد دون مشاركة شعبية أو حكومية وكون اهدافها التي تكلمنا عنها منبثقة عن محاذير ومحددات تغاير في مراميها الأهداف الاستراتيجية وطنياً وعربيا فانها تبدو سياسة خاضعة في صنع ما يصنع منها داخلياً للتأثيرات والاهتمامات الأجنبية على شكل شراكة سياسيه . والأهم من ذلك فان هذا الأمر جعل من السياسة الداخلية في خدمة السياسة الخارجية وليس العكس كما هو مفترض .

تداعيات جهل المسئولين بالسياسة الخارجية على تنفيذها :

وكونها سياسة بتلك الميزات المار ذكرها فإنه من غير الممكن أن تكون سياسة مدركه أو معروفه أو ثابتة لأي مسئول اردني لكنه يتوقعها بحسه الذي يصيب ويخطئ . وفي الوقت الذي تشكل فيه هذه الميزات والملامح عملا واعيا ومطلوبا ، فإنها بطبيعتها هذه لا تسمح لأي مسئول مهما علا منصبه ولا لمنفذ السياسة الخارجية أو لجزئيات منها أن يفهمها على سبيل اليقين ولا يعرف الموطئ التي تقف عليه اليوم هذه السيياسة ولا التخمين بتطور وجهتها غدا ولا حتى طبيعة وهدف أدواتها التي ينفذها ، والمسئول الذي يعتقد بغير ذلك هو واهم أو مُدّعٍ ، لأنها سياسة محتكره ومتغيرة ومتطورة ومتقلبة وليس بالضرورة أن يفهم محتكرها أومنفذها مراميها دائما ، والوقوف على تقلباتها لغايات تنفيذ جزئيات منها لا سيما من تلك الجزئيات غير المؤثرة بهدفي السياسة الخارجية يستلزم من المنفذ ليكون تنفيذه دقيقاً أن يكون شريكا فيها أو على اتصال دائم مع صانعها أو مطورها أومع مقرر تنفيذها وهو الملك ، وهذا أمر صعب التحقيق لكل شخص وفي كل وقت . ومن ناحية أخرى فلا مجال متاحاً أمام المسئولين وغير المسئولين في الأردن لتلمس السياسة الخارجية إلا من خلال خطابات وتصريحات الملك. وهوأمر أذا اعتمد في كل وقت يصبح مضللاً وغير كاف في كثير من الأحيان . حيث أن ما يمكن تلمسه من هذه الخطابات التي تأتي عادة مسببه بظرف أو حدث ، هو أمر غير مستقر ويتغير بتغير الظروف المحلية والدولية التي تؤثر في الموقف الأردني أو السياسة الأردنية . وكما يؤدي مجرد الإعتماد على خطابات الملك الملقاه في فترات متباعدة إلى أن تكون تصريحات المسئولين السياسية متناقضه أحيانا أو غير صحيحه . وقد جاء في الصفحة 172 من كتاب أسد الاردن مانصه والعلاقات الخارجية كانت تتحرك في ثلاثة اتجاهات الغرب والعرب واسرائيل وفي جميعها كان سلوك الملك محكوما بمصالح العائلة الحاكمة . ولذلك ليس منها ما كان مستقرا أو يمكن توقعه.

ومن هنا يصبح المسئول الذي يجد نفسه في موقع يتطلب منه إتخاذ قرار ثانوي في أمر يحسب في إطار السياسة الخارجية ولا يؤثر في أهدافها الأساسية أو يمسها ، أقول يجد نفسه متخبطا أحيانا وربما مسيئا للوجه الحقيقي للأردن من واقع عدم فهمه للسياسة الخارجية وامتداداتها وأهدافها ، وهذا نتيجة سؤ تقديره فيما يرضي أو لا يرضي الملك أو الجهات الداخلية التي يعتقدها مراقبة له أو عالمه بالسياسة الخارجية . وهو ما كان يحصل على سبيل المثال على صعيد الأمم المتحدة حين درج الوفد الأردني بتوجيه من المندوب الدائم على التصويت في لجان الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنوات بين عامي 85 – 89 كفترة أعنيها وعايشتها( )، على قرارات خاصة بالقضية الفلسطينية بصورة متطابقة مع تصويت إسرائيل والولايات المتحدة الشاذين عن تصويت جميع دول العالم بما فيه الدول الغربية في مشهد مؤذ وماثل على لوحة التصويت يحرج الأردن أمام دول العالم ، ويضع سياسته الخارجية موضع الشك عربيا وأردنيا . رغم أنها قرارات ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية ولا يعود فيها المندوب الدائم للوزارة وهي أيضا قرارات غير ملزمه كونها صادره عن الجمعية العامة . وبالطبع فان ذلك الموقف من المندوب الأردني يتعدى الجهل بالسياسة الخارجية ومتطلبات المرحلة إلى المزايدة وضعف الحس السياسي والدبلوماسي وضعف الحس بالمصلحه الاردنيه والفلسطينية معا.
وكذلك فإن المسئول من الصف الأول في الأردن بحكم موقعه كرئيس وزراء او وزير خارجية أو مدير مخابرات فإنه أيضا واهم جدا إن اعتقد أو سوق نفسه بأنه على علم بالسياسة الخارجية وأدواتها وتطوراتها من يوم ليوم ومن حالة لأخرى وأين تقف اليوم وأين ستكون غدا . وقد يقع في مطبات سياسية لدى تفسيره لبعض المواقف في إطارها أحيانا ، لأن الملك هو وحده الذي يمكن أن يكون أحيانا مدركا لكنهها ولمراميها وتطورها ، وهو كذلك بالنسبة لطبيعة وكنه أدواتها ومراميها . كما أنه الوحيد الذي يعلم أين تقف اليوم ولكنه لا يعرف أين ستقف غدا لأنها بالنسبة له سياسه مرتبطة بمتغيرات خارجية ومتغيرة على الأرض ومتطورة . وحيث أن الاتصال الدائم في كل حين مع مقررها وهو الملك للوقوف على تطورها في كل موقف هو أمر غير ممكن للأخرين فيلجأون للإجتهاد المستند على أسس غير ثابته بل وغير صحيحه أحيانا . ...................................،
وأضرب مثالا على ذلك شعار الأردن أولا وهو شعار جاء في صميم تطور السياسة الخارجية الأردنية وكأداة في خدمة هذا التطور تبعا لتطور السياسة الخارجية الأمريكية ومستجداتها بشكل خاص كما سيأتي معنا . ففي ضوء عجز الحكومة ومسئوليها عن تحديد مفهوم واضح ومحدد ومقنع لرفع هذا الشعار وما أثاره ذلك من شكوك واستفسارات في سبب وتوقيت طرحه واثارته بشكل مبرمج في الوقت الذي لا يختلف فيه إثنان على أنه من البديهي أن تكون الأولوية دائما للبلد ، أقول في ظل ذلك اشتعل التنافس في عام 2003 بين الساسة والكتاب المؤيدين من خارج الحكومة كل على طريقته لمساعدة الحكومة والنظام بتفسير مفهوم الشعا ر وإزالة اللبس . وكان من بينهم أحد رؤساء الوزارات السابقين حيث ذكر في معرض تفسيره ودعمه لرفع الشعار بأن الأردن أولا يعني أن هناك ثانيا وثالثا و.... ولنفاجأ بعد أيام أن الملك يذكر في الفقرة الأخيرة من كتاب التكليف للسيد فيصل الفايز بأن الأردن هو أولا وأخرا ( بمعنى لا يوجد ثانيا ولا ثالثا )--. وهو ما يؤكد على عدم إدراك ذاك الرئيس للمفهوم الحقيقي للشعار ولدواعيه كأداة ، وبأن الملك وحده من قد يعرف الحقيقة المبتغاة منه. كأدة تقع في صلب تطور السياسة الخارجية . وبالتأكيد فإن وجود ثانيا وثالثا ورابعا يفرغ الشعار من هدفه المقصود وغير المعلن ويلغي مفعوله الداخلي المنتظر تحقيقه . وأنا هنا أفترض بأن الرئيس السابق عندما صرح بذلك كان مؤمنا بما يقول ولا أفترض احتمالا قائما وهو أنه يفهم الواقع وأراد المجاملة أو التغطية على الهدف الحقيقي.
ونستطيع القول بشكل عام أن تفسير جزيئات من السياسة الخارجية المتعلقة بهدفي السياسة الخارجية التي يشرف الملك مباشرة على تنفيذها من قبل أي مسئول ، لا يكون تفسيرا مبنيا على أسس معلومه وبالتالي لا يكون تفسيرا صحيحا بالضرورة ، وأن تنفيذ جزئيات من السياسه الخارجيه التي لا تؤثر على هدفي السياسة الحارجية في مسائل من الدرجة الثانية والمناطه بالحكومات وأجهزتها من خلال القرارات والمواقف المتخذة تكون دقة تنفيذها مرهونة بالوعي السياسي للجهة المنفذه او الشخص المناط به الأمر وبفهمه للسياسة العامة وللمرحلة ومتطلبها وقدرته على تقدير الموقف في حينه . بعكس المسائل ذات المساس المباشر بهدفي السياسة الخارجية ومتطلبات تنفيذها ومحدداتها حيث لا مجال للخطأ فيها لأن الملك هو الذي يشرف على تنفيذها من قبل الجهة المسئولة عن التنفيذ أو بتوجيهاته كملك لا كرئيس للسلطة التنفيذية .
وبهذا فقد اضطر الأردن في مسيرته الخارجية والداخلية الى تبني كل ما من شأنه أن يخدم هدفي السياسة الخارجية بحيث أدت ضرورة الحفاظ على هذين الهدفين إلى تبني بعض السياسات والممارسات التي تبدو للأخرين على أنها لا تتفق مع المصالح الوطنية والقومية كما لا تتفق مع المبادئ والركائز المعلنة أو المفترضة للسياسة الخارجية للدولة في اطاريها الدولي والعربي والموروثات الثقافية ومتطلباتها ، وذلك لتراجع أولويتها أمام الهدفين الأساسيين ..
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحكومات الأردنية (باستثناء ثلاثة رؤساء أحدثهم عون الخصاونه) قد فشلت عبر تاريخ الأردن في نصح القيادة أو أو في التمسك بصلاحياتها أو ولايتها الدستورية ، كما فشلت في تفسير أو تبرير مثل تلك السياسات التي نفذتها للمواطنين وهي تعلم بأنها غير مواتية وتعلم بوعي الناس لذلك . وهو الأمر الذي أسهم لسنين في غضب شعبي اردني وعربي وفي صراع سياسي وعنفي أحيانا بين أجهزة النظام وبين الشعب من جهة وبين النظام والدول العربية من جهة أخرى.
وهناك من يعتقد بأن الحكومات ممثلة برؤسائها كانوا يعرفون الواقع ومدانين لأنهم قدموا مصالحهم الشخصيه المرتبطة ببقائهم في المنصب على المصلحة الوطنية . وأنه كان الأجدى بهم أن يكونوا امناء وناصحين وأن يقدموا البدائل للملك . حيث كان هؤلاء الرؤساء يعمدون في تبريراتهم إلى أسلوب التجاهل أو الإنكار الذي يوحي بالتقصير والتخاذل والتفريط بالمصالح الوطنية والقومية ، بدلا من أن يعمدوا إلى الشفافية في تفسير تلك المواقف والسياسات على حقيقتها أو الأتيان بتبرير دبلوماسي يوحي باحترام عقول ومفاهيم الناس ، كأن يقولو ا على سبيل المثال بأن عدم الالتزام الدقيق بالمرتكزات والمبادئ المعلنة والمقترضة لم يكن عملا عبثيا ولا تبرعا مجانيا بل جاء في سياق تكتيكي ومن قبيل التضحية بالمهم في سبيل الأهم .
وأنا شخصيا لم أعايش الخصوصيات السياسية لرؤساء الحكومات في الغرف المغلقة ولكني أحكم على الأقوال والممارسات الموثقة كما هي أمامي ، وأعتقد بنفس الوقت بقدرة وبشرعية وواجب المنفذ للسياسات الخارجية مناقشتها مع صاحب القرار والاقتناع بها او بمبرراتها وجعل الأمر مسئولية جماعية أمام المواطنين . فهذا على سبيل المثال رئيس الوزراء أو النظار علي رضا الركابي انتصر لمسئوليته ولوطنيته برفضه في عام 1926 المصادقة على امتياز توليد الكهرباء في فلسطين وشرق الأردن الممنوح إلى الصهيوني بنحاس روتنبرغ لما يترتب على ذلك المشروع من مخاطر تشمل بيع الاف الدونمات من الأراضي الأردنية عند ملتقى نهر اليرموك مع نهر الأردن إلى روتنبرغ واستقدام اليهود للمنطقة والسيطره على مياه النهرين . ومع أنه اطيح بهذا الرئيس وتم تعيين خالد ابو الهدى مكانه ليوافق على المشروع ، إلا أن رفض الركابي له قد ساعد في نشر الوعي الشعبي وأجج مشاعر الاحتجاج ضد المشروع وتسبب في تعجيل تشكيل أول مجلس تشريعي عام 1929 لمعالجة الوضع ، وأكثر من ذلك فإنه وبرفضه للمشروع قد بعث برسالة للهاجمين علينا ومستغفلينا بأن هناك شعبا واعيا.
وفي مثال آخر نجد المؤرخ البريطاني اليهودي أفي شلايم يتحدث عن أحد رؤساء الحكومات الأردنية ويقول من واقع الأرشيف البريطاني في كتابه أسد الأردن في الصفحتين 185 / 186 ما نصه // ... 'وكان وصفي التل شخصية جدلية من بين المواطنين الاردنيين المحيطين بالملك ربما لشخصيته السلطوية وكان واحدا من مجموعة صغيرة من رؤساء الوزارات الذين كانوا يستطيعون الوقوف في وجه الملك في مسائل السياسة الخارجية وفي السياسة الداخلية فكان وصفي يعتقد بل وحاول اقناع الملك حسين بأن السياسة الخارجية يجب أن تكون مبنية على المصالح الوطنية الاردنية وليس على مصالح العائلة الحاكمة' انتهى .
ومع أني لا أقتنع بصدقية حرفية الكلام على لسان وصفي التل ، لكنه ربما جاء في سياق ناعم جدا ومغلف وبكلمات أخرى يقصدها التل . أو جاء كلام أفي شلايم هذا مفبركا على لسان التل ، بهدف التأكيد على أن السياسة الخارجية الأردنية مسخرة لخدمة العائلة الهاشمية .

التعليقات
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012