بقلم : د.راضي العتوم
06-09-2014 11:41 AM
مجلس الوزراء يقر
كما هو معلوم، فقد تبنّت الحكومات الثلاثة الأخيرة مشروع اعادة هيكلة القطاع العام، في حين أن المبادرة بالمشروع كانت إبّان حكومة دولة سمير زيد الرفاعي، والتي تطلعت الى إعادة النظر بالهيكل الحكومي لحلّ مواطن الخلل فيه واصلاحه، فهدف المشروع الى تحسين أداء المؤسسات المستقلة، مع الأخذ بالاعتبار تقليل الفجوة فيما بين الرواتب للمؤسسات المستقلة والحكومة المركزية؛ وذلك بإقرار نظام خاص بالمؤسسات المستقلة على غرار نظام الخدمة المدنية، وفقط تعديل وتخفيض رواتب العقود العالية لتقليل التشتت فيما بينها وبين الرواتب حسب الأنظمة المقررة.
وبعدها جاءت حكومة دولة الدكتور معروف البخيت، وتعاملت مع الهيكلة بحذرٍ، وبتأنٍ شديدين، وعكفت على مزيد من الدراسة لها، الا أن استقالتها قد حالت دون الاستمرار بالمشروع على طريقتها.
ويقرّ الكثير من الخبراء والمختصين بأن المشروع الحالي قد انحرف عمّا خُطط له، وتسارعت خطواته دون دراسة كافية، حيث أقرّه مجلس الوزراء الحالي بتاريخ 8 كانون الثاني 2014، وأقر المجلس إجراءات تنفيذ مشروع قانون إعادة هيكلة المؤسسات والدوائر الحكومية بتاريخ 30/1/2014 ، فشكلت اللجان الفنية التي تولت الإجراءات المطلوبة لتنفيذ مشروع القانون، وكان ذلك بتنسيب وتوصية وزير تطوير القطاع العام.
ومن المؤسسات والهيئات التى جرت وتجري هيكلتها: هيئة الاستثمار، وصندوق إدارة المخاطر الزراعية، وهيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن، وهيئة الإعلام، وسلطة المصادر الطبيعية، والهيئة التنفيذية للتخاصية، وديوان المظالم، وغيرها.
و خلال نيسان 2014 طالبت اللجنة المالية والاقتصادية النيابية بالغاء بعض الوحدات الحكومية، ودمج المتشابهة في اعمالها، والحاق البعض منها بالوزارات التابعة لها.
وبحسب القرارات التي وافقت عليها، فانه تم دمج المجلس الاعلى للشباب والصندوق الوطني لدعم الحركة الشبابية والرياضية ومركز اعداد القيادات الشبابية لتصبح مؤسسة رعاية الشباب، فيما تم دمج هيئتي تنظيم قطاع الكهرباء، وتنظيم العمل الاشعاعي والنووي لتصبحا هيئة قطاع الطاقة والمعادن. وكذلك دمج دائرة العطاءات الحكومية ودائرة الشراء الموحد ودائرة اللوازم العامة لانشاء دائرة المشتريات والعقود الحكومية، اضافة الى انشاء لجنة عليا للمشتريات تتولى المهام التحكيمية وفض الخلافات بدلا من الهيئة العليا للمشتريات، ونقل المهام المتعلقة بتصنيف وترخيص المقاولين وتأهيل الاستشاريين من دائرة العطاءات الحكومية الى وزارة الاشغال العامة والاسكان. وتضمنت المرحلة الاولى دمج مؤسسة المدن الصناعية ومؤسسة المناطق الحرة وهيئة المناطق التنموية لتصبح هيئة المناطق التنموية والمناطق الحرة، وتحويل المدن الصناعية والمناطق الحرة الى شركات تطوير تم دمجها تحت مظلة ذات الهيئة .
كما تضمن القرار السابق دمج هيئة الاوراق المالية، وهيئة التأمين ومجلس تنظيم التعامل في البورصات الاجنبية، بحيث تصبح هيئة تنظيم سوق رأس المال. والموافقة على دمج مؤسسة التدريب المهني ومشروع التشغيل والتدريب الوطني ليصبحا مؤسسة التشغيل والتدريب المهني. وبحسب المرحلة الاولى تم الغاء صندوق دعم الحركة الثقافية، وعدم استحداث دائرة المتنزهات القومية، والغاء وتحويل الهيئة التنسيقية للتكافل الاجتماعي الى المجلس التنسيقي للتكافل الاجتماعي برئاسة وزير التنمية الاجتماعية، والغاء وتحويل صندوق المخاطر الزراعية الى مديرية لدى وزارة الزراعة، والغاء وعدم استحداث الهيئة الاردنية لتنمية البيئة الاستثمارية والانشطة الاقتصادية.
لقد تناول الكثيرون من المختصين عبر الصحف وغيرها مشروع اعادة الهيكلة، محللين ايجابيات وسلبيات مشروع الهيكلة وآثاره الادارية والمالية والأمنية الاجتماعية، متسائلين: 'هل سيقود المشروع إلى تنمية القطاع العام فعلاً وإصلاحه أم إلى إحباطه ؟'. واقترح الكاتب موسى الصبيحي، صحيفة ' وطن نيوز'، تاريخ 19/5/2014، عرضه على خبراء الإصلاح الإداري، وعلى الاقتصاديين، وعلى متابعي الشأن العام لتقديم حججاً ناصعة للهيكلة التي انحرفت عن مسارها، وحرّضت على العنف والاحتجاج الوظيفيين، وأدّت إلى لمشاعر من عدم الرضا بين موظفي الدولة بصورة لم تحصل من قبل عبر مسيرة الدولة وتاريخها..!!.
فلماذا لم تستمع الدولة إلى الخبرات الأردنية الفّذّة بهذا المجال، ولماذا صَمّت آذانها عن الاستماع إلاّ لصوت ورأي وزير التطوير وحده.
كما اقترح 'الصبيحي' التقييم للمشروع وحساب الخسائر التي مُنيَ بها القطاع العام، وبالتالي خسارة الخزينة الناتجة عن الاعتصامات والاضرابات، وتعطيل المصالح العامة بسبب الهيكلة. ولو كانت ثمّة محاسبة في الدولة للمسؤولين على أخطائهم واجتهاداتهم التي كلّفت الدولة والشعب، لكنّا رأينا هكذا وزير يقف أمام القضاء لمُحاسَبته (هذا ما جاء بالمقال المذكور).
وعلى مستوى المتخصصين بالشأن الاداري، وذوي العلاقة ببرنامج الهيكلة، وبالقرب منه ومن أصحاب القرار بالحكومة إبان عملهم، تناول عطوفة د. هيــثم حجــازي (رئيس ديوان الخدمة المدنية السابق) موضوع الهيكلة من عدّة جوانب؛ ادارية، ومالية، أكثر من مرّة.
وقد أشار الى أن عملية هيكلة القطاع العام قد بدأتها حكومة دولة سمير الرفاعي، حيث استهدفت تحسين أداء المؤسسات المستقلة ليصبح على مستوى عال من الكفاءة والفاعلية وبما يتفق وتطلعات جلالة الملك المعظم، ويساعدها على تحقيق أهدافها. وحينما لاحظت وجود حالات من المبالغة في بعض تلك المؤسسات من حيث الرواتب والامتيازات وأسس التعيين، قررت الحكومة حينها التعامل مع ذلك الواقع من خلال إقرار نظام خاص بالمؤسسات المستقلة على غرار نظام الخدمة المدنية (صحيفة 'كل الأردن'، تاريخ 23/10/2012).
وكما يرى عطوفة د. حجازي، وأوافقه رأيه هذا، بأن حكومة الدكتور البخيت قد عملت على تهدئة الوضع، وإعادة النظر فيه لمزيد من الدراسة معتبرة أن الموعد المقرر للبدء بتنفيذه وهو 1 / 1 / 2012 ليس موعدا مقدسا، وأشار الى أن حكومة دولة الدكتور البخيت كانت معنيّة بمهمـّـتـين أساسيتين هما: تحقيق المساواة، وتخفيض الكلفة الباهظة المترتبة عليه.
وللأمانة العلميّة، فقد أورد حقائق هامة يمكن تلخيصها بالآتي: 1) من الأهمية عند إعادة الهيكلة، دراسة المؤسسة فيما اذا كانت تحقق الأهداف التي أنشئت من اجلها أم لا. ولكن الواقع الحالي تمّ فيه إخضاع جميع المؤسسات المستقلة لنظام الخدمة المدنية، علما أن الكثير منها كانت تعمل بنجاح، وتمول ذاتها من ذاتها، وتدفع الضرائب المترتبة عليها، وتقوم بتحويل الفوائض المالية المتحققة لديها الى الخزينة العامة، ودون تكلفة على الخزينة، بل كانت رافدا لها، وهذا ما ستثبته هذه المقالة.
2) وفيما يتعلق بالمؤسسات المتعثرة، فإنه كان يجب دراسة مصدر الخلل وإصلاحه، والذي قد يكون، على الأغلب كامناً في طريقة ادارة تلك المؤسسات، وإن إخضاعها لنظام الخدمة المدنية لن يحل الأمر.
3) إن فكرة الهيكلة أساسا لم تكن تركز على قضايا الرواتب والامتيازات فقط، بل كانت تتمثل في اعادة النظر بوجود بعض المؤسسات بهدف ايجاد قطاع عام رشيق من أجل رفع سوية الأداء. وهذا كان ينبغي أن يكون باتخاذ قرار موضوعي مدروس من قبل مجلس الخدمة المدنية، الاّ إنه لم يتم ذلك وبالشكل الموضوعي المفترض.
4) لعبت الاعتصامات التي أثارتها الهيكلة أثرا سلبيا على اعادة النظر بعلاوت الموظفين، فجاءت العلاوات اجتهادية ودون اخضاعها لمعايير موضوعية، فكان حجم الضغط والاعتصام هو المحرك.
5) لعل فكرة التسكين جاءت مناقضة لرؤية ومفهوم دمج المؤسسات المستقلة بالخدمة المدنية.
6) ولعدم دراسة الواقع الحقيقي لطبيعة نشاطات المؤسسات المستقلة، أي أنه تم التعامل معها كوحدة واحدة، دون مراعاة لطبيعة نشاط كل منها، فإن الكثير من المؤسسات المستقلة التي تم إخضاعها لنظام الخدمة المدنية، ستجد صعوبة بالغة في الاستمرار بتقديم خدماتها أو ممارسة أنشطتها وفق مفهوم الهيكلة، وفي ظل نظام الخدمة المدنية؛ وهذا ما يتأكـد حاليا، ويظهر أثره في نتائج أعمال معظم المؤسسات المستقلة، كما تبينه المعلومات والبيانات اللاحقة.
7) ولمحاولة التعامل مع المشكلات التي خلّفتها الهيكلة، فسوف تضطر الحكومات المتعاقبة وباستمرار الى اعادة تعديل نظام الخدمة المدنية من أجل معالجة الاخطاء سالفة الذكر، وسيتم تباعا إعادة الاستقلال إلى بعض المؤسسات، مثل مؤسسة الضمان الاجتماعي، وهيئة مكافحة الفساد، ومؤسسات: هيئة الأوراق المالية، وهيئة الايداع، وبورصة عمان، وهيئة التأمين، والكهرباء، وغيرها؛ وذلك لإعادة تمكينها من أداء عملها بكفاءة وفاعلية... وهذا ما سيحصل في المستقبل القريب، خاصة اذا تمعنّا بالمشكلات الكبيرة التي خلّفها نظام الخدمة المدنية الجديد، والذي تمّ صياغته على يــد نفس الوزير، وبنفس آلية الهيكلة، ونفس الأخطاء للأسلوب، وللمنهجية، وللادارة للموضوع برمتـه. وخير دليل على ذلك، موافقة دولة رئيس الوزراء الحالي على تعديل النظام أمام النقابات ولأكثر من مرّة، وما تزال بعض النقابات تطالب بتعديل النظام ، بل ورفضه برمته.
8) ولعل أهم ما يمكن أن تتعلّمه حكوماتنا من دروس بمشروعي الهيكلة، ونظام الخدمة المدنية هو أن تطبيق هكذا مشاريع يحتاج إلى فريق من المتخصصين في هذا المجال، في حين أن الرأي المتفرّد ظهر جليّا في هذين المشروعين؛ مما أوقع الحكومة في صراع مع النقابات، ومع الموظفين لدى المؤسسات المستقلة الحكومة في غنىً عنه، هذا فضلاً عن المشكلة المالية التي خلّفها مشروع الهيكلة على الموازنة العامة، ليس بزيادة الرواتب لموظفي الحكومة المركزية فحسب، مع أنّي مع زيادة رواتبهم وانصافهم. ولكنّ بتراجع أداء تلك المؤسسات المالي والفنّي، وبالتالي في تدهور الايرادات التي تحوّلها الى خزينة الحكومة.
أمّا موضوع نظام الخدمة المدنية الجديد، فهو أولا يتنافى ومعايير حقوق الإنسان ومواثيقه التي وقعت عليها المملكة، كما أن له آثارا سلبية على انتاجية الموظفين وبالتالي على الأداء الكلّي للقطاع العام، وقد انتقده الكثيرون، كما انتقده بشدّة عدد من النواب، ونذكر هنا على سبيل المثال ما أشار اليه سعادة النائب الدكتور عساف الشوبكي 'الاعلامي المتميّز سابقا'، حيث أثار النظام حفيظته فعبّرعنه بقوله تحديدا '... كل هذه المغالطات المخجلة والمحزنة والمضحكة المبكية في نظام الخدمية المدنية الجديد المتخلّف الذي اشعر أن من صاغه ومن وضعه كأنما جاء من عهود الظلام الدامس والتخلف البعيد وليس له علاقة بالنهوض والتطور والحياة والحداثة...'، وأضاف إنني كنائب وطن أقف ضد نظام الخدمة المدنية الجديد واطالب بإلغائه وايجاد نظام خدمة مدنية عصري (صحيفة 'رم نيوز'، بتاريخ 29/5/2014).
وقد عزز رأي سعادة الشوبكي مطالبة 30 نائبا باستبدال نظام الخدمة المدنية، كما جاء صحيفة 'رم نيوز'، بتاريخ 3/6/2014 ، 'حيث برروا موقفهم بالقول أن النظام الجديد فيه الكثير من المواد الظالمة للموظفين وخاصة المعلمين'. ولكن هذا ليس موضوعنا، فالنظام تشوبه مشكلات فنيّة وادارية جمّة سيتم تناولها في مقالة متخصصة لاحقا.
ولا أدلّ على واقعية وجود مشكلة جوهرية في ادارة القطاع العام وأنظمته العاملة من تصريح صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله إبّان احتفال جوائز الملك عبدالله الثاني للتميّز وذلك يوم الأربعاء 10/9 والمنشور بوكالة بتــرا الحكومية بتاريخ 10/10/ 2013 ، حيث أكدّ جلالته على ' أهمية مأسسة ثقافة التميّز في الجهاز الحكومي للنهوض بأداء القطاع العام، مشددا جلالته على أن الإدارة الأردنية، التي حظيت في السابق بمكانة رائدة في تميزها، شهدت أخيرا تراجعا في الأداء وترهلا غير مقبول يجب العمل على تداركه وإصلاحه خدمة لصالح الوطن حاضره ومستقبله'. 'كما أكد جلالته، خلال اجتماعه مع مجلس أمناء مركز الملك عبدالله الثاني للتميز، بقوله أن «هدفنا الأساسي خدمة المواطن، وهذا يتطلب التطوير المستمر لكفاءة ونوعية الخدمات المقدمة له، وعلى الجميع أن يعلم أن موظف القطاع العام موجود لهذه الغاية»، مشددا جلالته على أهمية أن تكون ثقافة التميّـز صفة ونهجا وسلوكا لموظفي هذا القطاع»، وأن يعمل الجميع على تطوير الأداء في جميع مؤسسات الدولة بما يحقق مصلحة المواطنين جميعا'.
وعنونت صحيفة الدستور الحكومية مقالتها بهذا الخصوص تحت عنوان ' الملك شخّص واقعي «الإدارة الأردنية» وقـدم وصـفـة مـتـكـامـلـة لإصـلاح الأداء' ، حيث أعد التقرير ستة كتاب يوم 10/10/2013 مكررين تماما ما تحدّث به جلالته أمام حفل الجائزة ومجلس الأمناء. واضافة لذلك طرحت الصحيفة رأي بعض الفعاليات الوطنية من وزراء سابقين وخبراء، وكذلك رأي دولة السيد سمير الرفاعي، فقد أشارت الصحيفة الى أن ' تراكم السلبيات ادى الى انتشار ثقافة الترهل وعدم الاهتمام والالتزام بالعمل العام...'، وأن هناك الكثير مما يجب القيام به لتطوير أداء القطاع العام وتحسين خدماته للمواطنين، وتفعيل دوره للوصول الى اصلاح بنيته الأساسية.. ولا يكمن الحلّ في الولوج الى الشكليات والمظاهر والتصوير البرّاق.
وعلى الرغم من اهتمام سيّد البلاد بالطبقة الوسطى، فإبان حكومة دولة معروف البخيت وجه جلالته الحكومة بدراسة الطبقة الوسطى، وقد عمل على ذلك ' المجلس الاقتصادي والاجتماعي' فأعدّ ورقة سياسات للطبقة الوسطى أرسلت للحكومة وللديوان الملكي العامر أنذاك. الى أن جاءت الهيكلة فألقت بظلالها السلبية الكبيرة على هذه الطبقة، بل وفي ظلّ الهيكلة فقد أُنهكَ الأملُ بفسح المجال لايجاد طبقة وسطى اضافية في المجتمع، كما ستعزز الهيكلة تقليص نسبة هذه الطبقة الحالية والمستقبلية مع كل أسف... من وجهة نظري كاقتصادي.
ولا شكّ بان المتتبع للشؤون الاقتصادية والمالية للحكومة ليجدُ الآثار السلبية للهيكلة واضحة ، فبمراجعة الحسابات الختامية للموازنة العامة للسنوات 2011-2013 الصادرة عن وزارة المالية نجد أن مجمل الانفاق لوزارة تطوير القطاع قد بلغ 2.037 مليون دينار عام 2011 فقد بلغ الانفاق الجاري 983.7 ألف دينار اضافة الى نفقات رأسمالية بلغت 1.653 مليون دينار ، واجمالي انفاق 1.8 مليون للعام 2012 ، ثمّ 1.593 مليون للعام 2013، وهذه تعادل تقريبا ضعف نفقات معهد الادارة العامة للسنوات المذكورة.
وتفيدنا الحسابات الختامية، بأن العجز في الموازنة العامة للحكومة قد بلغ 1.38 مليار دينار عام 2011، ومبلغ 1.824 و 1.318مليار دينار لعامي 2012 و 2013 على التوالي. ومن الأهمية بمكان الإشارة الى أن العجز المدور عام 2010 قد وصل الى 3.745 مليارات دينار، والعجز المدور لعام 2012 قد بلغ 6.519 مليارات دينار، أمّا العجز المدوّر من عام 2012 فتراجع الى 415.3 مليون دينار، وحقق عام 2013 وفراً بعد التمويل بمقدار 1.853 مليار دينار أردني (المصدر: وزارة المالية، الحسابات الختامية للموازنة العامة للسنوات المالية 2011، و 2012، و2013).
من هنا نستذكر حجم العجــز بالموازنة العامة، وأهمية اتخاذ القرارات الادارية الحصيفة للمساعدة في حلّ ذلك العجز، وليس اتخاذ قرارات وسياسات من شأنها زيادته، كما تمّ بقرارات الهيكلة.
ومما يؤكد الآثار السلبية للهيكلة على أداء المؤسسات العامة المستقلة الاطلاع على الايرادات العامة التي تحولها تلك المؤسسات الى الخزينة سنويا للأعوام 2011 - 2013، وهذا يتضح من الجدول المرفق صورة عنه:
لقد بلغت الايرادات المخططة بالموازنة للمؤسسات المذكورة 144.2 مليون دينار لعام 2011 حوّلت تلك المؤسسات فعليّا 81.65 مليون دينار فقط؛ أي ما نسبته 56.6% فقط من المتوقع والمقدر لها. وكذلك الحال للعام 2012، فقد خطط بالموازنة أن تحوّل هذه المؤسسة للخزينة ما مقداره 161 مليون دينار، لكنها استطاعت تحويل 122.818 مليون دينارفقط؛ أي بما نسبته 76.3% عمّا هو مخطط للمؤسسات المستقلة المذكورة، وللعام 2013 تمّ تحويل 107.37 ملايين دينار مُقارنة 114.55 مليون كان مخططا ومقدرا؛ أي بنسبة 93.7 %.
وبالمتوسط للسنوات الثلاثة قيد المقارنة، فقد حوّلت المؤسسات المستقلة المذكورة في صورة الجدول المرفق ما مقداره 311.8 مليون دينار من أصل مبلغ كان مخططاً ومقدراً قيمته 419.76 مليون دينار؛ وهذا شكّل ما نسبته 74.3% ؛ مما يعني أن هناك تراجعا في نتائج أعمال المؤسسات المستقلة تلك بما نسبته 25.7% عمّا هو مخطط ومقدّر لها جرّاء الهيكلـة للقطاع العام كعامل أساس، اضافة الى عوامل أخرى اقتصادية، واجتماعية.
من هنا يبرز الأثر السلبي على الموازنة جرّاء قرارات هيكلة القطاع العام الارتجالية وغير المدروسة، وهذا ما قصده سيّد البلاد في تعبيره حول تراجع أداء القطاع العام، وهذا أيضا ما قصدة الخبراء والمحللون الاداريون والاقتصاديون الذين تناولوا الموضوع منذ الاعلان عنه بالتحليل والمناقشة.
وأما بالنسبة للحلول المقترحة، فأتفق والدكتور حجازي (كما جاء بصحيفة '، كل الأردن' بتاريخ 23/10/ 2013) في مقترحاته للنهوض من جديد وحل التبعات للهيكلة والمتمثلة بما يلي:
أولا: دراسة نتائج عملية الهيكلة وأثرها على أداء المؤسسات المستقلة، وكذلك أثرها على خزينة المملكة من قبل جهات محايدة بعيدا عن تدخلات وزارة تطوير القطاع العام.
ثانيا: أن تقوم الجهة المحايدة باعادة دراسة الطلبات التي تقدم بها عدد من المؤسسات المستقلة، والمتعلقة باستثناء هذه المؤسسات من تطبيق نظام الخدمة المدنية عليها.
ثالثــا: اعداد نظام خدمة موحّد للمؤسسات المستقلة التي يمكن أن تعاد لها استقلاليتها، بحيث يتم إعداد نظام خدمة مدنية جديد متطور يقوم على تفعيل وتطوير مؤسسات القطاع العام.
رابعا: اعادة النظر بقرار اخضاع أو دمج الشركات المساهمة العامة لنظام الخدمة المدنية كون عملية اخضاع هذه الشركات له شبهاتها القانونية ومساوئها الادارية، وكذلك لاختلاف طبيعة عمل هذه الشركات واهدافها.
خامسا: التعلّم من الوقائع والدروس التي تمرّ ر بها قرارات حكومتنا الرشيدة، بأن تستند الى تحليل علمي موضوعي من أكثر من طرف قبل اتخاذ القرار النهائي لأي قضية مقترحة ، سواء كانت ادارية أو اقتصادية، أو مالية، أو اجتماعية. فهذه الأبعاد جميعها تتأثر بالقرارات والسياسات سواء بتعديل أنظمة الخدمة المدنية أو الهيكلة أو أية قرارات أخرى تعني بالامتيازات التابعة لها.
وهذا يتأتى من تفعيل دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي، لا تحييده، واحترام رأي وفكر مؤسسات المجتمع المدني، واحترام دورها التنموي، وادماج رأي كافة مؤسسات الدولة، بمن فيها من مختصين وخبراء قبل الاقرار النهائي لأي سياسة اقتصادية أو مالية أو اجتماعية.
د. راضــي العتـوم (مدير عام معــهـــد الادارة العـامــة السابق)