أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


لمصلحة من تشوه المؤسسة البرلمانية في الاردن

بقلم : د. معن المقابلة
29-09-2014 11:16 AM
تمثل الديمقراطية أفضل أشكال النظم السياسية التي توصل اليها الانسان في صراعه مع ذاته , وصراعه مع الاستبداد ، والذي هو اي الاستبداد عكس فطرته ، فالحرية هي الكلمة المقدسة التي بنى عليها الفلاسفة تصوراتهم لبناء المجتمع الانساني ، والتي تمخضت عنها الدولة ، والتي هي ايضا بدورها أرقت الكثير من الفلاسفة في ماهية العلاقة التي تربط أفراد هذه الدولة بعضهم بالبعض الاخر ، بالاضافة الى شكل الدولة المرجوة . وبعيدا عن السرد التاريخي لمسيرة الانسان في صراعه هذا ، منذ ان استقر في تجمعات بشرية ، وتحديدا منذ اكتشافه الزراعة ، الى العصر الحديث ، وتأسيس الدولة الحديثة ، والتي تقوم فكرتها على مبدأ العقد الاجتماعي بين افراد المجتمع ، اذ يتنازل الفرد عن جزء من حريته في سبيل انشاء الدولة ، فهي تقوم على فكرة الحاكم والمحكوم ، فالمحكوم يتنازل عن جزء من حريته ، في سبيل انشاء الدولة التي هي في جزء من مهمتها ضبط وتنظيم علاقات هؤلاء الافراد بعضهم بالبعض الاخر.
أقول بعيدا عن هذا السرد فأن النظام الديمقراطي اثبت نجاعته ونجاحه في كثير من الدول الحديثة ، وقد اخذ اشكالا عدة منها الجمهوري الرئاسي ، كما في الولايات المتحدة الامريكية بُحيث ينتخب الرئيس مباشرة من قبل الشعب ، ويصبح بعدها يمثل السلطة التنفيذية . أو شبه رئاسي وهو نظام مختلط يجمع بين النظامين البرلماني والرئاسي كما في فرنسا والبرتغال وفلندا ، بحيث يُنتخب الرئيس مباشرة من الشعب ، بينما يقود الحكومة رئيس وزراء , يكون مسؤولا امام البرلمان ويستطيع اسقاطه . والنظام الاخر البرلماني التي تتشكل فيه الحكومة من الحزب صاحب الاغلبية داخل البرلمان ، ويقود الحكومة رئيس الوزراء ، وفي هذا النظام يكون فيه منصب رئيس الدولة صوريا اما يكون منتخبا شعبيا كما في تركيا او من البرلمان كما في الهند واسرائيل أو عاهل وراثي- ملكية دستورية - كما في بريطانيا والممالك الاوروبية.
ان القاسم المشترك بين جميع هذه الانظمة الديمقراطية وجود برلمان مُنتخب من قبل الشعب ، تكون الحكومة مسؤولة امامه مسؤولية مباشرة .
وفي عالمنا العربي معظم دوله لديها برلمانات منتخبة ، الا ان جميع هذه البرلمانات مقيدة بقوانين دستورية ، تعيق من ممارسة دوره الحقيقي في الحكم والتشريع والمراقبة ، ناهيك عن ان معظم هذه البرلمانات تأتي بأنتخابات مزورة ، او بقوانين انتخاب لا تعبر عن القوى الحقيقية في المجتمع .
في الاردن موضوع المقال الذي عاد للحياة البرلمانية منذ عام 1989م بعد انقطاع دام أكثر من عقدين اصبح يُنظر لمجلس النواب شعبيا نظرة سلبية ، بحيث نجد كثيرا من الاصوات تنادي بحله ، نتيجة الاداء الهزيل لاعضائه , وهذا ينسحب على جميع المجالس المتعاقبة ,بحيث اصبح يُعتقد ان المجلس اصبح وسيلة لتمرير قرارات الحكومات غير الشعبية كمعاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، والتي تعرف بمعاهدة وادي عربة ، والرفع المستمر للاسعار ، وقبل هذا وذاك لتصوير الاردن خارجيا على انه دولة ديمقراطية لديها مجلس نواب منتخب .
واعتقد ان هذا التشويه وهذه النظرة السلبية للمؤسسة البرلمانية في الاردن , تأتي ضمن خطة مدروسة يقوم بها النظام لتفريغ النظام الديمقراطي من محتواه الايجابي ، ومن مفهوم التبادل السلمي للسلطة ، من خلال هذا التشويه ، خدمة للسلطة المطلقة التي يتمتع بها الملك في النظام , بل ان النظام يقف ضد اي حالة نجاح لأية مؤسسة تقدم خدمة عامة للمجتمع ، تأتي من خلال الانتخاب ، ومثال ذلك نجاح الحركة الاسلامية في الانتخابات البلدية عام 1999م في اكبر بلديتين في الاردن بلدية الزرقاء وبلدية اربد , وعندما بدأت هاتان البلديتان تقدمان نموذجا ناجحا للادارة المحلية , لم يعتد عليه المواطن ، قامت الحكومة بحل البلديات قبل انتهاء المدة القانونية بحجة دمج البلديات , لتقوم بعدها بتزوير الانتخابات البرلمانية والبلدية بأشكال مختلفة . ان هذا التشويه المتعمد لمجلس النواب شعبيا وتصوير النواب على انهم مجموعة افراد يبحثون عن مصالحهم الشخصية ، والتي كان اخرها اتفاق النواب مع الحكومة لتمرير قانون التقاعد الذي يعطي النواب تقاعدا مدى الحياة , وادراك الحكومة ان هذا القانون سيثير حفيظة الناس ، وقيام الملك بعدم المصادقة عليه ، وما تردد بعد ذلك من بعض النواب من ان الحكومة اوحت للمجلس بأن الملك سيمرر هذا القانون , فأدرك النواب انهم خدعوا فاستشاطوا غضبا بل تردد ان احد النواب من المحسوبين على الحكومة قد تلفظ بكلمات نابية بحق الملك ، معتبرا انها كانت مسرحية الهدف منها خدمة الملك شعبيا على حساب النواب.
اذا هذا التشويه ، المقصود منه ، هو تشويه النظام الديمقراطي من خلال تشويه اهم ركن من اركانه وهو المؤسسة البرلمانية (مجلس النواب) من خلال الاداء الضعيف للمجلس , خدمة لاستمرار النظام القائم ، وبالتحديد خدمة لصلاحيات الملك المطلقة . ولكن السؤال المطروح الان ، من المسؤول عن الاداء الضعيف لمجلس النواب ؟هذا الاداء الذي يعتمد عليه النظام لتشويه المؤسسة البرلمانية ، أمام الشعب , لا شك ان هناك عوامل عديدة مسؤولة عن هذا الضعف ، من اهمها البنية التي يقوم عليها النظام نفسه ، والتي تعطي صلاحيات شبه مطلقة للملك بل مطلقة ، فالمادة 34 من الدستور تقول :1- الملك هو الذي يصدر الاوامر باجراء الانتخابات لمجلس النواب وفق احكام الدستور .2- الملك يدعو مجلس الامة الى الاجتماع ويفتتحه ويؤجله ويفضه وفق احكام الدستور .3- للملك ان يحل مجلس النواب.
ان هذه المادة سيف مسلط على المجلس ، تجعل مجلس النواب عرضة للحل حسب رغبة الملك ، ودون ابداء الاسباب كما في البند الثالث من المادة المذكوره . وقد اثبت التاريخ ان الملك كان دائما منحازا للحكومات على حساب مجلس النواب ، وهذا يفسر اختباء الحكومات خلف خطاب العرش الذي يلقيه الملك عند افتتاح دورة مجلس الامة ، وجعل هذا الخطاب بيان الحكومة الذي تتقدم به للمجلس لنيل ثقته . ويحدثنا التاريخ ان الملك حسين قام باقالة حكومة سليمان النابلسي ، وهي الحكومة البرلمانية الوحيدة في تاريخ الحكومات الاردنية التي تشكلت من الحزب صاحب الاغلبية في المجلس ، اذ حصل الحزب الوطني الاشتراكي بزعامة سليمان النابلسي على ثلاثة عشر مقعدا من اصل اربعين مقعدا ، هم عدد مجلس النواب انذاك 1957م ، وعندما اعترض المجلس على ذلك تم حل المجلس ومطاردة اعضائه وزجهم بالسجون.
ومن عوامل ضعف اداء مجلس النواب ، حرص النظام على عدم تشكيل كتل منسجمة داخل المجلس ، حتى يسهل السيطرة عليه ، وخاصة الكتل الحزبية ، فحتى هذه اللحظة يرفض النظام اجراء الانتخابات على اسس القوائم الحزبية . ومن الطريف في الامر ان الانتخابات البرلمانية التي جرت منذ عودة الحياة البرلمانيةعام 1989 جرت بقوانين مختلفة.
فالمجالس السبعة التي تم انتخابها منذ عام 1989 تم انتخاب كل مجلس بقانون يختلف عن الاخر ، ولكن القاسم المشترك بينها ، هو نظام الصوت الواحد ، الذي يعطي للناخب صوت واحد فقط ، وان كانت دائرته فيها اكثر من مقعد في المجلس ، والهدف من هذا القانون منع وصول تكتلات داخل المجلس يصعب السيطرة عليها .
ان هذين العاملين من اهم عوامل ضعف مجلس النواب ، فهو عُرضة للحل من خلال المادة الدستورية التي تعطي الملك حق حل مجلس النواب ، دون ابداء الاسباب ، الى جانب قانون الانتخاب – قانون الصوت الواحد - الذي يتم التلاعب به لعدم وصول كتل منسجمة داخل المجلس ، فيصل للمجلس بهذا القانون نواب ليس بينهم اي انسجام سياسي او فكري ، وتسهل السيطرة عليهم سواء بالترغيب او الترهيب . وكما ذكرنا فإن هذا التشويه المقصود لاداء مجلس النواب , الهدف منه نزع الثقة بين الشعب والمؤسسة البرلمانية خدمة للنظام القائم وبالتحديد خدمة لصلاحيات الملك المطلقة ، وهروبا من استحقاقات الملكية الدستورية التي تنادي بها كثير من النخب السياسية , والتي تجعل من الربيع الاردني ربيعا اخضرا بعيدا عن الدم.


التعليقات

1) تعليق بواسطة :
29-09-2014 01:39 PM

مُنتخب من قبل الشعب ( صادق)، تكون الحكومة مسؤولة امامه مسؤولية مباشرة (واضح).
والتي تجعل من الربيع الاردني ربيعا اخضرا( بس بعل بدون ماء)

الذي يولد مشوهاً يبقى كذلك ولو أجريت له مليون عملية تجميل. العب غيرها....

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012