بقلم : د.م حكمت القطاونه
01-10-2014 01:35 PM
كنا وما نزل ومنذ أن سلكنا درب الجد وتركنا اللعب والهزل، لا نبيت إلا على نية أن أحج البيت وأم عمر، فلا حجا حججنا وصاحبكم حتى اللحظة لم يعتمر.
لم أصل ديار الحجاز ولم أطوف بالبيت الحرام وحتى عمر وأبي بكر في المدينة وصاحبهما نالهم منا جفوة بقدر الشوق لهم والمُنَىَ في منى والوقوف على عرفة، ومن قعد بعذر كما الذي وقف ومن تخلفت به الأسباب عن البيت العتيق فكأنما وصل.
وحتى أم عمر، لم تنال شرف العمرة أو الحج، وكم هي في شوق وتوق؟، تخنقني عبرتي مودعا كل عام الحجيج، عاجزا عن رد الجميل أن صارت على ديني بسببي ومن أجلي، فكم هاجها الشوق إلى مرافقتي للديار المقدسة تقتفي أثر الرسول وأصحابه، تشرب من البئر بحفنتيها كما هاجر أسقت وليدها حتى ارتوى ثم شربت 'وزمي يا مباركه... زَمْ – زَمْ'، ووداع عجائز قومي لقوافل الحجيج (رَويدا) قديماً ما زال يرن في أذني حينما ودعنا جدتي فاطمة حاجة للحجاز -رحمها الله- طفلا صغيرا ينتظر هديته، 'براية أقلام على شكل دلة' ومزمار لونه احمر مرسوما عليه هندي مُعمم يُراقص ثعبانا، حاولت حينها عزفا لأغنية وداع الحجيج ' يا دريبة الحجاج عرجا وطويلة '.
ليس كل من قصد البيت حج، وكأني بطلائع الحج ألأول، جدنا إبراهيم وأبونا إسماعيل وهاجر بعد أن رفعوا قواعد البيت توجهوا إلى الله بسؤال ماذا بعد؟ فكان الجواب من فوق السماوات:' وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق'.
في واد غير ذي زرع مُحاط بجبال سود ومن بعدها صحاري قفار وحين تنادي أول ما يرتد إليك صوتك خائباً فهيهات أن يجيبك سامعين!؟، فمن أين يأتي الحجيج ومن يأتي بهم؟ ويا سامعين الصوت صلوا على النبي!.
إبراهيم عليه السلام امضي حياته مهاجرا ومسافرا بأمر الله والى الله، يخرج من البلوى ليدخل من جديد إلى الابتلاء والمؤمنون أشد بلوى فكيف بخليل الله؟... فكان إبراهيم هو العبد الذي وفى وزاد على الوفاء بالإحسان.
لن نروي قصة إبراهيم عليه السلام ولا يمكن أن نختزل سيرته بمقال أو قصة وإنما قصص كثيرة والله يقص علينا أحسن القصص، وفي ذي الحجة نقترب من الوقوف على عرفه والحج عرفة ومسك الختام رَجم إبليس.
نختلف مع بني إسرائيل فكل منا يؤكد أن الذبيح ذبحهم!... قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ...فما كان من إسماعيل إلا أن يقول:' يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.
فكم هو المشهد حرجا وكم هو حزين؟! ...رجل في الثمانين عقيم يرزقه الله بولد بعد عذاب وطول انتظار، وأي ولد؟ إنه نبي الله إسماعيل، تغار زوجته العقيم سارة وبأمر من الله يحمل هاجر وولده إلى حيث أشار الوحي في واد غير ذي زرع على مسافة تفلق أكباد رواحله ، محاطة بصحاري وجبال، لا ماء ولا شجر ويأبى حتى الطير مرورا من فوقها، يتركهما تحت سماء الله ويرحل ومن زمن لآخر يعودهما، مرة ليرفع قواعد البيت العتيق ومرة ليُطَّلقُ زوج إسماعيل ويغير عتبة بيته ومرة ليذبح ولده بيديه حينما صدق الرؤيا ويَبْتليَ الله هاجر وإبراهيم وإسماعيل ويخزي إبليس مرتين ومرتين كل عام على مدى السنين بعد إبراهيم.
يطيع إسماعيل والده العجوز وفي طاعته امتثال لأمر ربه، ويا لهف نفسَ هاجر من عناء السنين ويا لهف نفسها على فلذة كبدها إسماعيل...!...'فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نُجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم' ...خذ يا إبراهيم واستلم كبشا سمينا من يد جبريل، سنة لذراريك ومن بعدك أولاد إسماعيل ليهريقوا دماء أضاحيهم أنعاما احل الله ذبحها، ليأكلوا منها ويطعموا البائس الفقير والقانع والمعتر، ليطيبوا بها نفسا وأرجو من الله أن لا نفتري عليه زوراً فيما سنقول: أن يا أيها العرب ويا أيها المسلمون أًشْبعوا غريزة الذبح فيكم واذبحوا أنعامكم لتكفوا عن ذبح بعضكم بعضا وقتلكم لأنفسكم وافتدوا أنفسكم وإخوانكم كما افتدى الله جدكم إسماعيل بكبش سمين وافتدى عبدالله والد رسولكم الكريم ابن الذبيحين بمائة من حمر الإبل، ضحى بها عبدالمطلب ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.
درسين على التتالي كي لا يبيع بعضكم بعضا، أضاحي لبني صهيون من ولد إسحاق عليه السلام ذبيحهم المفترض ونحن وهم من أبناء قابيل، نضحي ببعضنا بعضا، وهم،... نحن أضاحيهم، وليس الحول شرط أضاحيهم فكم من رضيع قضى قبل حوله على أيديهم وبأيدينا في غزة وفي العراق وفي الشام ولبنان وفي كل مكان، نجمع بغاث البشر وكل مجرمي الدشر، نهيئ لهم الزمان والمكان لقتلنا وقتل بني جلدتنا بعد أن مللنا القتل بأيدينا وفي الأشهر الحُرم.
دعوة حق وإصلاح لا نملك آلية فرضها وكما سيدنا إبراهيم نؤذن بالناس ولا يأتينا إلا القليل من حجيج الأوطان التي أصاب إنسانها التوهان، وكما إبراهيم فبالله أملنا ولو بعد حين أن يوصل دعوانا إلى كل فج عميق وأن يغير عتبات أوطاننا ويكف أذى أبناء ضرة أمنا ممن ولَّاهم الله أمورنا ونرجم ذرية إبليس، فوا الله حتى أبن الضرة يعجز عن الأذى الذي ألحقوه بنا.
كثيرا ما أتخيل لو كانت الكعبة المشرفة - ولا اعتراض على مشيئة الله - في النمسا أو موسكو أو إيطاليا أو برلين وحتى في طهران أو بكين ، لكان الحج أيسر مما إلى جزيرة العرب وبلاد العرب أوطاني، ولو كانت في بعض ديار العرب والمسلمين خارج الجزيرة لفرضوا ضريبة نصف دينار وأكثر عن كل ركعة، ولو اسطاعوا لشغلوا عدادات تعد عملة صعبة بمجرد استقبال القبلة وعن كل تكبيرة إحرام فتحة عداد في حساب السلطات، حواشيها وطواشيها...{ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
اللهم أحقن دماء العرب والمسلمين وكل الأمم عسى أن يأتي من أصلابهم من يُسبح اسمك، عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا... اللهم إنا نوينا الحج وباقيها عندك!.
د.م حكمت القطاونه hekmatqat@yahoo.com