بقلم : محمد عبدالله جرادات
01-10-2014 03:02 PM
سؤال حيرني وأقلقني وجعلني دوما أتساءل وأبحث عن جواب له، وهو لماذا هذه العداوة وعدم الثقة ما بين المواطن الأردني والحكومات المتعاقبة؟
بداية .. لنرتقي إلى مصاف الدول المتقدمة، يجب أن تكون العلاقة ما بين المواطن والحكومة علاقة تشاركية منفعية متبادلة، لكل طرف من أطراف هذه المعادلة حقوق وعليه واجبات وأن لا يعتمد طرف على الآخر اعتمادا كليا لـتأمين حقوقه وكل ما يلزمه دون تأدية الواجبات لدى الطرف الآخر، وأن تكون الثقة بينهما أيضا متبادلة لتكون العلاقة فيما بينهما قوية والبنيان مرصوص والجبهة الداخلية متينة، ولنعترف جميعا أن هناك أزمة ثقة ما بين المواطن الأردني والحكومات المتعاقبة أدت إلى ضعف الانتماء لديه ومن ثم التذمر والكسل وعدم الرضى، وكذلك هناك أزمة أخلاق أيضا وضعف في المواطنة والانتماء للوطن، ولأن الانتماء والمواطنة ليست شعارات وأبيات شعر تقال في مناسبة أو على أوراق صحيفة وإنما ما يقدمه المواطن للوطن، فعرفها جان جاك روسو بأنها أي المواطنة: ' هي المشاركة في رفع مستوى المجتمع من خلال العمل الرسمي أو التطوعي'.
آباؤنا وأجدادنا عملوا بجد ونشاط معتمدين على أنفسهم في تأمين معظم حاجياتهم، من خلال العمل في الزراعة والصناعة فزرعوا الأرض وحرثوها وجنوا المحاصيل المختلفة التي أمنت لهم الحياة الكريمة 'كالبناء والزواج وجميع متطلبات العيش'، وبالمقابل قامت الحكومات بتوفير الأمن والتعليم والصحة لهم مقابل ضرائب بسيطة كانوا يدفعونها، أما اليوم فنرى المواطن الأردني نتيجة السياسات المختلفة التي أتبعتها الحكومات المتعاقبة قد أبتعد عن الزراعة والصناعة والحرف باحثا عن الوظيفة لتحقيق متطلبات العيش والكماليات المختلفة التي أصبحت متطلبا أساسيا في حياته، فأصبحت الحكومات تتفنن في فرض الضرائب وزيادتها لتلبية كل هذه المتطلبات والحفاظ على الوضع الاقتصادي، فصار المواطن الأردني متذمرا مستاء يطالب دوما بزيادة الرواتب وتخفيض الأسعار وتحسين الخدمات.
إن الانتماء للوطن والولاء لقيادته عنصران أساسيان في تمتين الجبهة الداخلية وتوحيد الصف للوصول إلى الاستقرار والارتقاء إلى مصاف الدول المتقدمة، ولنأخذ من المواطن المصري أنموذجا، حيث يجوب كل أنحاء المعمورة متحملا مشاق السفر والغربة والتعب الجسدي والمعنوي في سبيل تأمين متطلبات العيش ورفعة بلده ورفد اقتصاده بالعملة الصعبة التي تقويه، وعندما يعود إلى بلده يبوس الأرض احتراما وتقديرا وانتماء، ومن التجربة اليابانية كذلك مثالا يحتذى، وهو كيف أن الكوارث والصعاب والتحديات زادتهم قوة وإرادة وإصرار للنهوض ببلدهم ومن ثم الارتقاء والتطور والمنعة - لا اليأس والفشل والتذمر- ففاجأت العالم بأسره بعد خسارتها في الحرب العالمية الثانية كقوة اقتصادية عظمى يحسب لها ألف حساب، بسبب العقول المتفتحة وإتباع أسلوب الإدارة والقيادة الناجحة بإتباع أسلوب الفلسفة اليابانية في الإدارة - وهو أخذ كل ما هو مفيد للعمل والمؤسسة والأفراد - فاهتم النظام التربوي الياباني بتربية الطفل على الأخلاق والقيم والتقاليد الحسنة لإخراج طفل يتمتع بالمواطنة والصلاح وخدمة وطنه والعمل مع رفاقه داخل المؤسسة كأنهم عائلة واحدة، فقوى ذلك انتماؤهم وزاد من إنتاجهم، وعلى رؤساء الحكومات أن يقتدوا بقوة وجرأة وصفي التل رحمه الله عند لقائه بالسفير الأمريكي في عمان أوائل عقد الستينات من القرن الماضي عندما كان رئيسا للحكومة، حيث وجه له الأخير كلاما ناعتا فيه الشعب الأردني بالكسل، وأنه يستطيع أن يجوعه بكتاب يوجهه إلى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية يطلب فيه وقف المساعدات من القمح للأردن وكان ذلك عندما سأله وصفي التل كيف أن الشعب الأردني كسول؟ فأستفز ذلك وصفي وقال للسفير الأمريكي أفعل ما تريد! إن الشعب الأردني ليس كسولا ولن يجوع أبدا بإذن الله، ومن ثم ذهب وصفي إلى الملك حسين رحمه الله وروى له قصته مع السفير الأمريكي وقال سأعلمه درسا عن حقيقة الشعب الأردني، فأتصل مع المسئولين السوريين وطلب منهم قمحا لزراعته في الأردن، وبعد ذلك بدأ بجولة على أنحاء البلاد والتقى بوجهائهم ومزارعيهم وسألهم عن' كوايرهم' وطلب منهم أن تكون مليئة
بالقمح بعد هذا العام، فوزع عليهم بذور القمح، فزرعوا الأرض وحرثوها وأنعم الله على الأردن في ذلك العام قمحا وفيرا، فكانت سنة خير وبركة وصدر قمح الأردن إلى بعض الدول العربية، وأثبت وصفي للسفير الأمريكي أن الشعب الأردني ليس كسولا.. بل شعب حي منتج إذا وجه التوجيه الصحيح والتخطيط السليم'.
ومن هنا نقول أن الوطن حضن دافئ لأمن وأمان المواطن الصادق، يرفد قلوب أبنائه بخيراته ويرفع من شأنهم بين الأمم، ولأن الوطن بذرة صالحة غرست في ارض كريمة وطاهرة يستحق منا جميعا التضحية والفداء، ولأن الوطن لم يكن يوما إلا عشا لأبنائه يؤويهم ويحميهم ويقدم لهم كل متطلبات الحياة الكريمة، وجب علينا أن نغرس في نفوس أطفالنا من الفطرة التي فطرهم الله عليها، وان نقدم لهم القدوة الحسنة في رسولنا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم مثالاً في حبه لوطنه، وان نسرد عليهم دروساً من الماضي الأصيل في التضحية بحب الوطن والانتماء إليه وان يكون هذا الحب غذاء روحيا في مرحلة الطفولة لينمو ويشيب عليه ويكون سلوكه سلوكاً إسلامياً يتفق مع ديننا الحنيف وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا الإسلامية والعربية، وعلى الحكومات أن تعزز الثقة لدى المواطن فيها وتحارب الفساد والمفسدين وتعمل على خلق فرص استثمارية ناجحة لرفد الاقتصاد وتحسين مستوى الخدمات وتعزيز مبدأ الديمقراطية وترسيخ اللامركزية من خلال تشريع القوانين التي تضمن الرقابة على كل ذلك.