بقلم : انيس الخصاونة
08-11-2014 10:54 AM
الانعطافات الحادة في اتجاهات بعض منتسبي الحراك في الأردن ظاهرة قديمة حديثة فقد شهدنا في الماضي القريب قفزات كبيرة لبعض اليساريين والقوميين وحتى بعض المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين وكذلك الحزب الشيوعي ،حيث انتقلوا هؤلاء المعارضين الأشاوس من قواعدهم الجماهيرية وأحيانا الحزبية إلى مراتع النظام ومنصاته وأربابه .
وفي الوقت الذي نعتقد فيه أن حدوث مثل هذه الانعطافات ليس بالشيء العجيب والجديد نظرا لتكالب قوى وعوامل ذاتية ومنفعية شخصية أو ضغوط خارجية أو كلاهما في رسم مسارات وخلق رؤى مختلفة للحراكيين الذين لم يكن يشق لهم غبار ولا تلين لهم قناة ، فإن الانتقال من الشيء إلى ضده ومن المناداة بإصلاح النظام الذي طالما اتهمه هؤلاء الحراكيون المنشقون بأنه ظالم واستبدادي ويستحوذ على السلطة المطلقة ويرعى الفساد ويقاوم الإصلاح ويبطش بالأحرار ينتقلوا هؤلاء الحراكيون إلى مدح النظام ووصفه بأوصاف مناقضة تماما لأوصاف دأبوا على إطلاقها على هذا النظام منذ أكثر من عقد من الزمان!!
أقول بأن لكل مواطن حقه في خياراته ومساراته السياسية وللكل حراكي ومعارض الحق أن يأخذ قسطه من الراحة عندما يعييه النضال وينتابه الإحباط ولا يستطيع أن يكمل المشوار ولكن لنا الحق أيضا أن نتساءل عن مسوغات هذا التغيير الجذري في البوصلة السياسية لهذا الوثب الأكروباتي في السياسية إذ أنه من الصعب تفهم التغير المنهجي في التوجهات السياسية لأشخاص كان يعتقد بأنهم منابر وقدوات في التنظير للإصلاح السياسي.
نعم نعرف عن بعض الساسة المهرة في الوثب من أحضان الحراك إلى أحضان النظام وبالعكس فقد فعلها رئيس وزرائنا الحالي وفعلها وزير عدل سابق وفعلها أعضاء سابقين في جماعة الإخوان المسلمين وكذلك بعثيين وقوميين وليبراليين وقد استلم كل منهم جائزته ومكافأته على فعله البطولي بنظر النظام وأجهزة المخابرات ووصفوا بالرشد والعقلانية والنضج السياسي وها هو زميلنا الحراكي السابق تنهال عليه المباركات والتشكرات من علية القوم ومدراء الأجهزة الاستخبارية والأمنية وألسنتهم تلهج بالثناء والامتنان على هذه الهدية المجانية والتي لا بد وأن يتم مكافئتها ورد الجميل بالجميل!!.
نتساءل هنا هل هو البحث عن المجد والشهرة فيتبعها صاحبها حيث يجدها في الحراك على شكل نجومية أو جماهيرية ، أو يجدها في مجد النظام والمناصب والسلطة والبهرجة ، أم هي مصارحة للنفس ومراجعة للنهج كما يروق لبعض التائبين عن معاصيهم أن يضفوا صفات العقلانية والتبرير على انعطافاتهم الحادة والمثيرة للظنون والاستفهام ، أم أن المعارضين هم أصلا لم يكونوا معارضين وقد أفصحوا ألان عن مواقفهم ورؤاهم الحقيقية؟
نعم يمكننا أن نتفهم التغيير والانقلاب على المبادئ والانعطاف بزاوية 180 درجة والانتقال إلى المنافحة عن براءة النظام وسعة أفقه السياسي ،ونظرته الأبوية للأردنيين ،وتسامحه مع المتمردين على عصرهم وعلى هامشيتهم وعلى تسامح النظام مع الكردي وحمايته للعوضي ورحمته بالبطيخي وتسجيل أراضي الأردنيين باسم بعض ولاة الأمر، وتحالف النظام ضد الموحدين من أبناء غزة ،وإدخال الأردن في حروب وتحالفات دون استشارة الشعب الأردني ، نستطيع تفهم كل ذلك ولكن لا نستطيع أن نتفهم هجوم الحراكي المنشق على الحراكيين واتهامهم بأشياء ربما هي طبيعية في تكوين الحراك والحركات الإصلاحية فهي في نهاية المطاف حركات شعبية تطوعية وليست دولا يعاب عليها سوء التنظيم .
ليس للحراك جيش ولا سلطة وليس له إلا إيمانه بعدالة مطالبه وصوته الذي يصدح به وإصراره على فضح الفساد ومن يتستر عليه من أزلام النظام ولذلك لا غروا أن تجد اختلافات وتباينات وأحيانا صراعات على تشكيل نهج الحراك والمعارضة .
وأذكر الحراكيين المنشقين بأن النظام نفسه قد دبر المكائد للنيل من الحراك وتفتيته ولعل الزميل الحراكي السابق الذي آثر الانشقاق قد عانى نفسه من تلفيق و'دبلجة' وكيد النظام عندما دبرورا له قضية جنائية تم اعتقاله عليها ولم يكن لهذه القضية علاقة بالسياسة .
للحراكي المنشق أن يضع نفسه في المعسكر الذي يناسبه ولكن لا نعتقد أنه من الجائز من الناحيتين الأدبية والأخلاقية أن يسيء للحراك الشعبي الأردني وينال منه بإطلاق أوصاف غير عادلة وغير صائبة عليه ويطعن في مقاصده وغاياته .يمكن للزميل الترويج للنظام والتكفير عن مهاجمته له عندما كان في صفوف المعارضة،ويمكنه أن يتقرب لولاة الأمر دون شتم المعارضة والإساءة إليها.
وأخيرا فإننا نعتقد بأن قافلة الحراك ستستمر ولا يضير العقد سقوط واحدة من خرزاته تماما مثل أن موت شجيرة هنا يقابله نمو نبتة أو عدة نبتات في مكان آخر لتبقى جذوة المطالبة بالإصلاح مستمرة بإذن الله.