بقلم : ادهم غرايبة
13-01-2015 12:39 PM
العاصفة ' هدى ' كانت عاتية حقا .لكنها مرت بسلام و بحد أدنى من الخسائر في دولة كان قدرها أن تولد في النار دون أن تحترق , على حد وصف الزعيم الشهيد وصفي التل , الذي لم يقدر له أن يعيش الى اليوم الذي يرى فيه عواصف من نار تهب طيلة فصول السنة على دول عربية محيطة بنا فيكون قدرنا ان نقبل , برحابة صدر , نتائج تلك العاتيات كنتيجة طبيعية لموقعنا الجغرافي و تكوينا القومي العروبي الجيني برغم سلبيات ذلك .
مرت العاصفة ' هدى ' بسلام لأن الحكومة قررت , ببساطة , أن تعمل ! . الجهد الرسمي طيلة أيام العاصفة العاتية يستحق الثناء هذه المره . مؤسسات الدولة إنخرطت في حملة وطنية أروع ما فيها أنها أعادت الدفء للعلاقة مع المواطنيين و أعادت اليهم نظرة الإحترام التي إهتزت في سنوات حقبة رجال ' البزنس ' الذين أعلنوا العداء للدولة عبر مشاريع الخصخصة التي أفلست الدولة و نكلت بمواطنيها. الجهد التطوعي الشعبي , هو الأخر, إنخرط في حملة الشهامة الوطنية بقدر ما يستطيع , إنما أراد أن يترجم حبه لبلده و تمسكه بدولته بعد أن راعه المشهد من حولنا في سوريا و العراق و
مصر .
أثبت إندفاع الأجهزة الرسمية , في طليعتها الجيش و الدفاع المدني و الأمن العام و البلديات و الاشغال العامة و الصحة , ان هذه القطاعات هي بؤرة الوطنية الاردنية التي كانت هدفا إستراتيجيا لحملة الخراب الإقتصادي لغايات إضعاف الأردن و تفكيكيه و الإمعان في إنهاكه لغايات غير بريئة و لا تعني مصلحة شعبة تحديدا .
ثمة عواصف من نار تتشكل من حولنا ليست من مصدر قطبي حتما . إنما تتشكل في طبقات الفساد المالي و السياسي الذي لم يحظى حتى بمجرد ' تكشيره ' من جهات سيادية و أمنيه في الوقت الذي تظهر هذه الاجهزة جاهزيتها الدائمة للإعتقال و التضييق على كل وطني شريف .
و تتشكل في طبقات دينية طائفية تكفيرية مشبوهة تستفيد من تراكم نتائج نخب الفساد المآساوية التي إستعدت الدور الإجتماعي للحكومات و نظرت للمواطن على أنه زبون تريد أن تكسب منه أكثر ما يمكن . هذه العواصف نستطيع مواجهتها حتما بإعلان واضح و عاجل من المرجعيات السياسية العليا في الاردن يقول فيه كلاما شديد الوضوح بخصوص خطة طوارئ سياسية و ادارية و مالية تنهي حالة السقيع في الحياة السياسية الاردنية عبر حكومة وطنية يتاح لها مساحات غير تقليدية للتحرك .
من المؤسف حقا أن الجهات السيادية في الاردن أعفت نفسها من ملاحظات جريئة و غير مسبوقة دفع الحراك الوطني الاردني الذي أطلقته فئات اجتماعية و طنية غير تقليدية , كاللجنة الوطنية العليا للمتقاعدين العسكريين و حركة عمال المياومة و بعض الناشطين اليساريين الوطنيين المستقلين و حراك المعليمن , للتداول و رفع من سقف الخطاب الشعبي و انهمكت تلك الجهات النافذة بتخريب الحراك الوطني عبر عمليات إنزال و دس لفئات سعت للتشويش و التمزيق بدلا من الحوار مع الحراك و تقليب وجهات النظر و التوافق معه على رؤية داخلية . سيما أن هذا الحراك لا غايات شخصية له و لا يقبل بأن يكون قناة عبور لجهات خارجية و تعرف الجهات الأمنية ان جل غاياته إصلاح مسيرة البلد بدون دماء ليكون الأردن نموذجا حقيقا للربيع العربي فيستفيد النظام و الشعب معا , و هذا ما لم يحدث الى الان للاسف , لان النظام - ببساطه - ما زال يستند لرؤية أشخاص و فئات فاسدة لا تعرف حدودا لجشعها و لا تعنيها مصلحة البلد أصلا و يقدم الولاء الأعمى على الكفأة في إدراة الدولة.
إنحسر الحراك الوطني شكلا بعد أن قدم الإحتفاظ بوطنه على إصلاحها عبر الدم . لانه يدرك أن النموذج السائد حاليا مآساوي و لا يتماشى مع أهدافة النبيلة . النظام بدلا من أن يلتقط اللحظة التاريخية لتجديد نفسة أعتبر ان مآلات الربيع العربي تصب لمصلحته و انه ما من داعي لتقديم مشروع جاد لطالما أن الأنظمة التي خرجت من ابواب الثورات تعود الى الحكم عبر شبابيك الإنتخابات التي تديرها جهات عالمية و يصرف عليها مليارات . مع ان نموذج الربيع الاردني مختلف تماما عما هو عليه في باقي الدول العربية من حيث انه لا يريد اسقاط النظام بل إصلاحه لغايات حساسية وضع الاردن .
إنحسار الحراك الوطني لا يعني أن مطالبة الأساسية - المتمثلة بحماية الهوية الوطنية الاردنية و العدالة الاجتماعية المتمثلة بتنمية المحافظات و تمكين القطاع العام و محاسبة السارقين و الشروع بحوار وطني يستهدف دستور جديد للبلاد يضمن المشاركة السياسية بشكل جاد - قد الغيت . المطالب ما زالت هي ذاتها و خبو الاصوات امر يبعث على القلق خصوصا ان عقلية الإنتقام بدأت تتفشى و تدفع بكثيرين لقبول خيارات كارثية عبر تنظيمات إجرامية هي لا تمثلهم اصلا لكن ما من خيار سواها تعتاش من وراء إحباط الناس و استبعادهم من المشاركة السياسية و التوغل في الفساد
المالي و ابقاء ادارة الدولة بيد ذات الفئات التي تسببت بكل الإنتكاسات التي نشهدها .
في عز العاصفة كانت أجهزة الدولة تعمل بتناسق يستحق التقدير و يبعث على الاعجاب حتى ان الثلوج المتراكمة و البرد الشديد لم يمنعا فرقا أمنية خاصة من مداهمة المجرمين و لم تثني الجيش عن التصدي لمحاولة العبث بالامن على الحدود و المستشفيات تعمل بشكل مقبول و الجهات المسؤولة عن المياه و الكهرباء و صيانة الشوارع تبذل جهدا طيبا في الوقت الذي نشهد فيه منذ سنوات حالة مشبوهة من سوء التنسيق و التشتت و تدني الانتاجية في عز الصيف !.
في نهاية المطاف نريد لبلدنا لا أن يبقى فحسب , بل أن يتطور أكثر عبر المصالحة بين مؤسساته الرسمية و مواطنيه و هذا لا يحتاج لأكثر من نوايا طيبة متبوعة بخطوات على الارض تتعلق بحملة استعادة للاموال العامة و معاقبة كل مستهتر بوظيفته و مراجعة صادقة للوضع المالي العام و التفكير بصيانة سلة العيش للمواطنين و تحسين مستويات الصحة و التعليم و النقل و الشروع بحملة تنموية كبرى تستهدف قطاعات حساسة مثل الطاقة و التعدين و المياه , نستطيع عبرها تحرير الاردن من عجزه المالي الدائم و المصطنع اصلا و تشغيل عدد هائل من شبابنا . كي يشرع الاردن , لاحقا , في
أخذ مكانا مرموقا إقليميا ثبت انه يستحقه و أن الدولة الأردنية , بعكس كل الاكاذيب التي احيطت بها , راسخة و قوية و متماسكة و جذرية .
دعونا , إن كنتم صادقين , نحارب الإرهاب بشكل إستباقي في عمان لا في باريس !