أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


ماذا يجري للفرنك السويسري؟

بقلم : د عاصم برقان
19-01-2015 01:14 PM

لم يكن هناك داعي لانتظار ردود فعل اسواق المال العالمية على قرار اعلان البنك الوطني السويسري (المركزي) في 15 من الشهر الجاري فك ربط الفرنك السويسري باليورو لينهي بذلك فترة استمرت ما يقارب 3 سنوات، فخلال دقائق معدودة من اتخاذ القرار صعد سعر صرف الفرنك مقابل العملات الاخرى الى ما يزيد عن 20%، وشكل القرار مفاجئة لأسواق المال العالمية لأنه كما نعلم مثل هذه القرارات تأخذ خلف الابواب المغلقة.
ولكي نفهم بالضبط ما حدث، علينا العودة الى عام 2011 عندما تقرر ربط الفرنك بشكل جامد باليورو الاوروبي، ففي عام 2010 عانت منطقة اليورو من مشاكل عديدة؛ حيث عملياً افلست اليونان وبدأت تعلو اصوات تطالب بخروجها السريع من العملة الموحدة والعودة الى عملتها الوطنية 'الدراخما' منخفضة القيمة. ولم يكن الوضع افضل في الولايات المتحدة، حيث رحُلت المشاكل التي اندلعت عام 2008 من خلال عملية غير مسبوقة اعتمدت على طبع كمية من الدولار وتقديمها كهدية للبنوك المفلسة، وفي نفس الوقت كانت اليابان تعاني من الركود الاقتصادي، والصين من اندلاع ازمة السوق العقاري.
ومن طبيعة رأس المال العالمي انه يبحث دائماً عن ملاذ آمن وجده في السنوات الاخيرة في الفرنك السويسري، حيث بدأ يتدفق الى سويسرا من جميع انحاء العالم ولا سيما من منطقة اليورو. وتسبب الطلب الكبير على الفرنك بارتفاع قيمته مقارنة بالعملات الاخرى، مما حدا بالبنك الوطني السويسري وتحت شعار 'حماية الصادرات المحلية' الى طباعة كمية اضافية من الفرنك ليستبدلها باليورو. وكان الهدف من زيادة المعروض من الفرنك اضافة الى الزيادة المصطنعة في الطلب على العملات الاجنبية؛ هو استقرار سعر صرف الفرنك والحفاظ على قيمته عند مستوى 1.2 مقابل اليورو.
وبعد فترة قصيرة من تذبذب سعر صرف الفرنك نجح البنك الوطني السويسري في خفض ومن ثم تثبيت سعر صرفه مقابل العملات الرئيسية الاخرى. ولم يكن الهدف من عملية اضعاف الفرنك 'حماية المصدرين' كما اعلن، وإنما الحفاظ على سعر صرف جميع العملات الرئيسية عند مستويات مماثلة، وبفعل ذلك تشكل وهم الاستقرار في الاسواق النقدية العالمية الذي اعتمد في جزء منه على 'طباعة' كمية من العملة السويسرية بحجة انقاذ النظام النقدي العالمي.
الا ان الوضع الاقتصادي العالمي خلال 3 سنوات لم يتغير؛ لا بل تعمقت المشاكل التي تعاني منها منطقة اليورو، حيث زادت البطالة وارتفعت نسبة الدين الى الناتج المحلي الاجمالي بشكل ملحوظ، وواجهة اغلبية بلدان الاتحاد الاوروبي عجز هائل، وعادت اليونان من جديد تطالب بتخفيف عبئ الديون، اضافة الى التفكير جدياً في الخروج من منطقة اليورو. ومن الجدير بالذكر انه على الرغم من حجم اليونان الاقتصادي الصغير داخل الاتحاد الاوروبي والذي يشكل فقط 3% من الناتج المحلي الاجمالي للاتحاد، إلا ان خروجها يمكن ان يشكل سابقة خطيرة، اضافة الى الخسائر الناتجة عن عدم تسديد ديونها. ان خروج اليونان من منطقة اليورو من شأنه أن يخلق سلسلة من ردود الفعل، حيث انه وخلال اسابيع يمكن ان يتخلى عن العملة الموحدة كل من اسبانيا وايطاليا والبرتغال وسلوفينيا وربما تتبعهم ايضاً فرنسا. وعلاوة على ذلك، فأنه ستتوقف فجأة تسديد الديون المقومة باليورو مما سيشكل عبئ قبل كل شيء على البنوك الفرنسية والألمانية. وفي مثل هذه الحالة سيقوم البنك المركزي الاوروبي باستخدام طرق بائسة لإنقاذ النظام النقدي الاوروبي من خلال الاداة الوحيدة المتبقية لديه، والمتمثلة بطبع كمية من اليورو وعلى نطاق غير مسبوق، وستساهم هذه الخطوة في النهاية قي ضرب العملة المشتركة.
وبغض النظر عن حقيقة 'خروج اليونان وغيرها من الدول من منطقة اليورو، علينا ان ندرك شيء مهم يتمثل في أن ديون العديد من البلدان في اليورو غير قابلة للسداد، وهي نتاج طبيعي لسياسات معدلات الفائدة عند مستوى صفر؛ وهو ما شجع الحكومات على التوسع في الاستدانة، وأصبحت مديونياتها اكبر بكثير من امكانياتها ولم تعد قادرة على الوفاء بالتزاماتها حتى ولو كان لديها نية صادقة في تسديدها. وفي مثل هذه الحالة لن يكون امام البنك المركزي الاوروبي طريق اخر لمنع تفكك منطقة اليورو إلا من خلال اصدارات جديدة من اليورو، بالرغم من المعارضة الشديدة من قبل المانيا التي تعي جيداً العواقب المأساوية لمثل هكذا خطوة. ومن الجدير بالذكر هنا ان اتفاق ماسترخت لعام 1993 يمنع عملية 'طباعة' اضافية لليورو، الا ان الاوروبيون سيجدون بطريقة او باخرى مخرج قانوني لهذه القضية. وإذا ما تمت هذه الخطوة سنكون امام خيارين لا ثالث لهما؛ اما ان ينهار اليورو تحت وطأة الديون المفرطة، او ستنخفض قيمة الدين نتيجة للتضخم الهائل بسبب زيادة المعروض من اليورو.
سويسرا تدرك جيداً ان ايام منطقة اليورو باتت معدودة، وتحاول ان تنأى بنفسها عن الخسائر الناجمة من الشراء الطائش لليورو التي جرت على مدى السنوات الثلاث الماضية. وعلى الرغم من ان البنك الوطني السويسري لا يتخذ اي قرار مهم من دون استشارة بنك التسويات الدولي، إلا ان الكانتونات المحلية وهي المساهمة الاساسي في هذا البنك ويهمه مستقبل الفرنك، يمكنها ان تضغط بالاتجاه المعاكس. وهنا يجب علينا التأكيد على ان الفرنك نجح بالحفاظ على قيمته في فترات سابقة لأنه كان وحتى عام 1999 مدعوم بالذهب.
ان ما حصل للفرنك في الايام الاخيرة لم يكن ردة فعل عارضة على قرار البنك المركزي، وإنما ردة فعل على تدمير العملات الرئيسية خلال السنوات القليلة الماضية، ونستطيع القول ان ردة فعل الفرنك من خلال الزيادة الكبيرة والسريعة ناتج عن التخفيض المصطنع لقيمته خلال الثلاث سنوات الماضية.
ان اكثر شيء اجهله اليوم هو وضع البنك الوطني السويسري حيث ان احتياطاته ارتفعت من 100 مليار فرنك عام 2009 الى 470 مليار فرنك في نهاية عام 2014 منها حوالي 420 مليار فرنك بالعملات الاجنبية ومنها 50% باليورو. وعندما تنخفض قيمة العملات الموجودة لديه بنسبة 20% فان خسائره نتيجة لذلك ستكون حوالي 84 مليار فرنك. وبالنظر الى احتياطي سويسرا من الذهب والذي يقدر بحوالي 1040 طناً قيمته حوالي 36 مليار فرنك؛ يمكننا القول ان البنك الوطني السويسري هو بنك مفلس.
وكما هو معروف البنوك المركزية لا تلتزم بالمبادئ الاقتصادية السليمة، وقد ارتكب البنك الوطني السويسري عام 2011 خطأ فادح بربط سعر صرف العملة الوطنية باليورو، والاستمرار في هذا الخطأ يعمق من مأزق البنك ويزيد من خسارته. والى جانب ذلك وبشكل عام ارتكب البنك في العقد الاخير العديد من الاخطاء حيث باع في الفترة من 2000-2007 اكثر من 1500 طن من الذهب بمتوسط سعر 400 دولار للأونصة مما كبد المجتمع السويسري ما يقارب من 40 مليار دولار خسارة، اضافة الى ان الحفاظ على سعر صرف ثابت للفرنك مقابل اليورو في السنوات الثلاث الماضية بدوره كلف حوالي 66 مليار دولار.
ويمكننا الجزم بان خطوة البنك الوطني السويسري أملته الضرورة وسياسات بنك التسويات الدولي، ورغم التقييم السلبي لنشاطه إلا ان قراره الاخير بفك ربط الفرنك باليورو هو خطوة في الطريق الصحيح؛ لان الاستمرار في السياسات السابقة هو شكل من اشكال الانتحار على المدى البعيد، وفي نهاية المطاف العملة القوية هي مرادفة لرفاه، وليس العكس.
في النهاية لا بد من التأكيد على ان سعر صرف العملات ومنذ عدة سنوات لا تعكس الوضع الاقتصادي للبلد بقدر ما هي قرارات سياسية تتخذ على مستوى البنوك المركزية. واذا كانت كل المعطيات تشير الى تعزيز قوة الدولار الامريكي ودولار هونغ كونغ ودولار سنغافورا والكرون النرويجي والفرنك السويسري إلا ان قيمتها ستحدد ليس حسب هذه المعطيات وإنما وفقا لقرارات البنوك المركزية.
واذا طلب مني اليوم ان اتوقع ماذا سيحصل للفرنك السويسري؟ استطيع ان اقول انه على المدى الطويل سوف يعزز موقعه وسيستمر بالارتفاع، اما التوقعات خلال الاسابيع القادمة فهي مغامرة لا اجرؤ عليها، وأحيل المهمة للمنجمين.

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
19-01-2015 01:48 PM

ستقوم دول الخليج بشراء كمية كبيرة من اليورو لدعم اليورو ومنع سقوطه وذلك بأمر من أمريكا
وهذا سيؤدي لشفط المزيد من المال العربي وبهذا تكون أمريكا قد ضربت عصفورين بحجر
حماية الدولار , وربط اليورو بالدولار و تسديد العجز المالي الأوروبي بالعملات العربيه سهلة الإبتزاز والتدوير لصالح الإقتصاد الإستعماري

2) تعليق بواسطة :
19-01-2015 02:03 PM

دول الاتحاد الاوروبي و بريطانيا لا يفضلون رفع سعر صرف اليورو والجنيه الاسترليني لانهم يعنون من البطالة رفع سعر اليورو والجنيه الاسترليني سيزيد من البطالة لانه سيقلل من حجم الصادرات بسبب رفع سعر عملتهم دائما اليورو والجنيه في تدبدب في سعر الصرف

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012