أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


ابننا معاذ .. وفشل الخطاب الاعلامي الرسمي في الاردن

بقلم : د. اشرف محمد عبد القادر سمحان
31-01-2015 10:17 AM
اياً كانت نهاية قصة معاذ الذي اوجعنا كثيراً نحن الاردنيين، فانها بلا شك انموذج واضح ودليل مؤكد بامتياز على فشل الخطاب الاعلامي الاردني، ففي بدء الازمة خرج الينا الدكتور المومني الناطق باسم الحكومة ليسب داعش ويتحداهم ويستثيرهم ويقرر رفض اي شكل من اشكال التفاوض معهم او حتى الاتصال بهم، وكأنه بشكل أو بآخر يحرض على قتل ابننا معاذ.
وبعد تلك التصريحات المثيرة للجدل، بدأ اعلامنا يتخبط حول سبب سقوط او اسقاط الطائرة، وفيما اذا كان السبب في سقوطها عطل فني ام صاروخ حراري اصطاده بسبب العلو المنخفض الذي اجبره 'الامريكان على التحليق اليه كما يقول البعض'، وكانه يروج قضيتها للناس ويحفزهم بدافع من حب الفضول الى البحث فيها واستحضارها في كل وقت.
بعدها، زاد الغموض وزادت حافزية الناس للحديث في موضوع سقوط او اسقاط الطائرة بسبب ما قررته الجهات القضائية المختصة من حظر لاي شكل من اشكال النشر يروج لرواية داعش حول ما حدث هنالك، ومن باب ان 'كل ممنوع مرغوب'، وسياسة تكميم الافواه هذه كانت لتكون صحيحة وفي محلها لو أن الجهة الرسمية الوحيدة التي كان لها الحديث بموضوع معاذ اجادت الحديث به والحال ان سياسة اعلامية واضحة حول قضية معاذ لم تكن ظاهرة بالمطلق، وانما رأينا تخبطاً واضحاً ارتكبت في معرضه اخطاء اعلامية قاتلة ومميتة.
وبالتزامن مع كل ذلك، خرجت الينا وسائل الاعلام الرسمية باغان وطنية تؤكد عودة معاذ، وبشعارات و'بوستات' تجعل من عودته امراً محتماً ومشروعاً وطنياً بامتياز، وتحدٍ وجودي لكل الشعب الاردني، بحيث استقر في اذهاننا ان عودته مسألة وقت.
اضافة الى كل ذلك، نقلت الينا وسائل الاعلام تطمينات الجهات المعنية بالازمة وعلى رأسها جلالة الملك لوالد معاذ وعائلته، والتي كان يجب ان تبقى خاصة بهم وحدهم بدافع من الانسانية التي يتحلى بها الهاشميون، دون ان تمتد هذه التطمينات والتأكيدات الى الشعب الاردني بأسره عبر وسائل الاعلام كافة، لما ينطوي عليه ذلك من مخاطر جمة.
نعم نقول مخاطر جمة، وأولى بوادرها كان في مسيرات الدوار الرابع التي خرج اليها المتفاجئون من ظهور بوادر التغير الاعلامي حول معاذ، حيث ان المتعاطفين الذين وجهتهم بالمقام الاول وسائل اعلامنا للاسف، او على الاقل زادت من تعاطفهم الى حد اليقين برجوع معاذ، لم يرقهم اي تحول في الخطاب الاعلامي الرسمي، ولم يعد مقبولاً لديهم سماع اي نبأ عن اي خيار آخر او نهاية أخرى يمكن ان تنتهي بها قصة معاذ سوى رجوعه الذي نتمناه جميعاً بالطبع.
كل ما سبق وغيره، يعكس فشلاً واضحاً ومميتاً في الخطاب الاعلامي الرسمي، لم يكن ليسبقه سوى التخبط الرسمي الباعث على عدم الثقة حول كثير من القضايا، كان الخطاب الاعلامي الرسمي لدينا ينفي ثم ينفي ثم ينفي ليثبت في النهاية صحة وقوع ما أكد مراراً وتكراراً على نفيه، من ذلك صفقة الغاز الاسرائيلي وقصة ذهب عجلون الذي بقي الاعلام الرسمي لدينا غائباً عن الساحة اياماً طوالاً تاركاً للاشاعة كي تأخذ حيزها المتعاظم على حساب الحقيقة، وليخرج الينا اقطاب السياسة من قائد الجيش ووزير الداخلية ورئيس الوزراء ويقدم كل واحد منهم روايته الخاصة حول الذي جرى هنالك في ذلك الوقت.
فقدان الثقة بالاعلام الرسمي لم يكن وليد اللحظة التي بدأت بها قصة معاذ، ولربما لن ينتهي بانتهائها، لكن قصته للاسف كانت - دون ادنى شك - دليلاً واضحاً ومؤكداً على فشل الخطاب الاعلامي الرسمي لدينا، لماذا؟ لأننا وعلى كل محبتنا لابننا معاذ والذي اقولها بلا شك استقر في وجدان جميع الاردنيين، الا انه ان مات –لا قدر الله- لن يكون اول من يفدي بدمائه هذا الوطن، ولن يكون آخرهم بالطبع، فكم من آلاف الشهداء الاردنيين سقطوا وروّوا بدمائهم ثرى فلسطين والاقصى المبارك في حربي 1948 و1967 ؟ وكم من الاردنيين الشباب مثلهم مثل معاذ في زنة الحب والتقدير لدينا سقطوا في حرب كرامة الشعب والامة والوطن عام 1969 دفاعاً عن ثرى الاردن الغالي؟ بل وكم من رجال الامن الذين سقطوا وهم يلاحقون الجريمة ومرتكبيها لحفظ الامن والاستقرار في هذا الوطن العزيز؟
وليس هذا فحسب، بل لقد طفت الى السطح اقوال تعكس الى اي مدى وصل فشلنا في توجيه دفة الخطاب الاعلامي الرسمي في الاردن، منها ان الافراج عن ساجدة لم يكن ليتحقق –هذا ان تحقق- لولا طلب اليابان من الاردن الافراج عنها لا مقابل معاذ وانما مقابل الرهينة الياباني لديهم، وكأن معاذ الذي له حوالي الشهرين لم يكن ليقبل التفاوض حوله لولا الرهينة الياباني الذي لربما كان من حسن حظ معاذ ان يجمع معه في صفقة واحدة.
الاعلام يا سادة، صناعة احترافية بكل ما في الكلمة من معنى، توجه الرأي العام بل وتصنعه في كثير من الاحيان، خدمة لاهداف موجهة إما في خدمة الوطن او للاضرار به، وفي حالة معاذ لا يمكن لاحد ان يدعي ان خطابنا الاعلامي الرسمي كان موجهاً لخدمة الاردن، فهاهم الناس شغلهم الشاغل معاذ وحديثهم الدائم معاذ، ولا أمانع في ذلك، لكن كم أظهرنا ضعفنا لداعش في قصة معاذ؟ وهل من الحكمة ان اظهر مدى حبي وتعلقي بل وشغفي بشخص اختطف قبل ان يقرر خاطفه الثمن المتوجب دفعه للافراج عنه؟ ليزيدوا بالطبع في ذلك الثمن حتى أصبح الثمن هو 'ساجدة' ذاتها التي لم يكن من الحكمة اصلاً تركها الى اليوم لتعيش وتأكل وتتنفس في الوقت الذي اهدرت به هي ورفاقها حياة العشرات من الابرياء قبل عشر سنوات تقريباً. ليس من الحكمة بالقطع ان اقول كل الحقيقة، وليس من الحكمة كذلك ان انقل كل مشاعري الصادقة بحب معاذ وتمني رجوعه الى الاعلام لاكشف اوراقي كاملة الى العدو يقرأها كيف يشاء.
لا نتمنى فقدان معاذ، ولا نروج بالقطع او نمهد لاحتمالية فقدانه، لكن خطاباً اعلامياً متزناً وحريصاً كان يمكن ان يمهد العامة لكل الخيارات المحتملة. وأخيراً، فلماذا نجح الاعلام الغربي في الترويج لفكرة 'رفض التفاوض مع الارهابيين' رغم غياب فكرة الشهادة لديهم على الاقل بقدر مفهومنا نحن لها، وعلى الرغم من تقديس الفرد لديهم واعلاء قدره الى درجات لم يسبقهم اليها احد في التاريخ كانت متطرفة في كثير من الاحيان؟ نقول لماذا نجحوا هم في ذلك في الوقت الذي فشلنا نحن به؟ سؤال معاد في جواب اترك الاجابة عليه لاعلامنا الرسمي هذا ان استطاع الى ذلك سبيلاً.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012