أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


التحول السعودي والقلق المصري

بقلم : خالد الدخيل
01-03-2015 03:11 PM
بات من الواضح أن قلقاً انتاب مصر بعد وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وبات من الواضح أيضاً أن مصدر هذا القلق توجس مصري من التوجهات السياسية للعاهل السعودي الجديد سلمان بن عبدالعزيز.

أكثر من عبّر عن التوجس والقلق الناجم عنه هو الإعلام المصري. يتردد في هذا الإعلام أن موقف الملك سلمان ليس حازماً ولا نهائياً من «الإخوان» كما كان موقف الملك الراحل، وأنه يميل الى التقارب، وربما التحالف مع قطر وتركيا. وبناء على ذلك فإن موقفه من مصر ستكون له حدود وشروط ومتطلبات لم تكن موجودة في أيام الراحل عبدالله بن عبدالعزيز.

بعبارة أخرى، هناك قلق من إمكان تراجع الدعم السعودي لمصر، أو أن يكون هذا الدعم ضمن حزمة سياسية جديدة يرى العهد السعودي الجديد أهميتها. الأرجح أن هذا القلق كان موجوداً لدى القيادة المصرية قبيل وفاة الملك الراحل، وقبل أن يتم التعبير عنه إعلامياً بعد وفاة الملك.

وجود قلق مصري من تغيّر القيادة في بلد حليف بأهمية السعودية في مثل هذه المرحلة المضطربة إقليمياً وفي ظل ظروف مصر الصعبة سياسياً قبل أن تكون اقتصادياً، أمر طبيعي ومتوقع.

ما لم يكن طبيعياً هو الطريقة التي تم التعبير بها إعلامياً عن هذا القلق. إذ اقترب هذا التعبير من حالة هلع مكبوتة. وقد لاحظ الكاتب المصري مصطفى النجار ذلك عندما أشار في صحيفة «المصري اليوم»، في 23 شباط (فبراير) الماضي إلى تورط بعض وسائل الإعلام المصري «في الإساءة النابية لقطر وفي الضرب تحت الحزام بطريقة واضحة في النظام السعودي نفسه». وهذا يعكس أن بعض الإعلام المصري على الأقل لا يزال رهينة خطاب خمسينات القرن الماضي وستيناته.

آنذاك كانت اللغة النابية، والتهديد المبطن، والضرب تحت الحزام وسيلة يقصد بها الضغط والابتزاز. لم يخطر، كما يبدو، ببال من فعل ذلك أن اللجوء لمثل هذا الخطاب يثير القلق خارج مصر، أولاً لأنه يشير إلى أن مصر، أو على الأقل البعض في مصر، لم يتغيّر كثيراً مع تغيّر المنطقة والعالم، وبعد أول ثورة شعبية في تاريخ مصر. وهو يثير القلق ثانياً لأنه يوحي بأن بعض الإعلام المصري على الأقل يستبطن شعوراً عميقاً بأن الخيار الذي اتخذته الدولة المصرية بعد انقلاب 30 يونيو ربما هو أكثر هشاشة مما يبدو عليه. وإذا كان الأمر كذلك، فهو مثير للقلق فعلاً. فاستقرار مصر، وقبلها وبعدها استقرار السعودية، لم يعد في الظروف المضطربة عربياً مصلحة استراتيجية لكل منهما وحسب، بل مصلحة استراتيجية للعالم العربي أجمع، وللنظام الدولي.

من هذه الزاوية جاء تأكيد الملك سلمان بن عبدالعزيز على أن الدعم السعودي لمصر لن يتغير.

أين المشكلة إذاً؟ تبدو المشكلة، كما أشرت، في أسلوب هذا الدعم وإطاره. يريد البعض في مصر أن يكون الدعم السعودي على شكل هبة أو منحة ملكية مفتوحة، أو شيك على بياض، كما يقال.

لا ينبغي للسعودية أن تتقارب مع تركيا، مثلاً، لأنها تتعاطف مع «الإخوان». وفي هذا تجاهل لبديهة أن علاقات الدول لا تقوم على مثل هذه الرؤية، لأنها عاطفية وليست سياسية. الرؤية السياسية الأكثر عقلانية أن علاقات السعودية ومصر لا يجب أن تكون مرتهنة لا للموقف من «الإخوان»، ولا للموقف من تركيا.

فإذا كان استقرار مصر هو مصلحة استراتيجية سعودية، وهو كذلك، فإن واجب السعودية أن تتعامل مع قضية «الإخوان» كمسألة محلية مصرية في الأساس، وأن تقاربها من زاوية تأثيرها على استقرار مصر أولاً، ثم تداعيات ذلك إقليمياً، وبالتالي عليها ثانياً. من الزاوية ذاتها، فإن استمرار السعودية في الابتعاد عن تركيا، كما يريد البعض في مصر، لا يخدم التوازنات الإقليمية في هذه المرحلة، وهذه التوازنات هي الأساس الأول لاستقرار المنطقة، وبالتالي استقرار مصر. فتركيا هي إحدى أهم الدول الكبيرة في المنطقة بقدراتها الاقتصادية والعسكرية، ودورها السياسي. وهي إلى جانب كونها عضواً في الناتو وفي مجموعة العشرين الدولية، وبموقعها الاستراتيجي بين العالم العربي من ناحية وإسرائيل وإيران من ناحية أخرى، من الدول التي تملك مشروعاً سياسياً واقتصادياً واضحاً، وهو مشروع يتناقض في مضمونه مع المشروع الإسرائيلي الاستيطاني من ناحية، ومع المشروع الطائفي لإيران من ناحية أخرى.

وهي أيضاً كدولة وطنية علمانية أكثر قابلية لأن تتقاطع في مشروعها وسياساتها الإقليمية مع المصالح العربية. لكن هذا يفترض قبل أي شيء آخر أن يكون هناك مشروع عربي. والسعودية ومصر هما الآن الأكثر قدرة من بين كل الدول العربية على التفكير بإطلاق مثل هذا المشروع ورعايته. وهو ما ينبغي أن تنشغل السعودية ومصر به، بدلاً من الانشغال بالموقف التركي من «الإخوان».

المفارقة أن جماعة «الإخوان» تحولت في مصر إلى نوع من العقدة الفكرية والسياسية، عقدة مدمرة تحتاج إلى شيء من التفكيك، والتمييز بين مبررات الموقف من الجماعة، ومتطلبات مصلحة الدولة على المستوى الإقليمي.

لم تقبل مصر أن تصف تركيا ما حصل فيها في 30 يونيو 2013 بأنه انقلاب عسكري. لكن أغلب دول العالم يعتبر أن ما حصل كان انقلاباً. هل يعني هذا أنه تنبغي مقاطعة هذه الدول؟ وإذا كان يهم مصر أن يعترف العالم بأن ما حصل فيها آنذاك كان ثورة، وهذا حقها، فعليها أن توفر ما يدعم ذلك سياسياً ودستورياً في الداخل قبل الخارج. ثم إن تضخم قضية «الإخوان» على هذا النحو هو نتيجة طبيعية لغياب مشروع فكري وسياسي مصري تلتف حوله أغلبية المصريين. في السياق ذاته، تعبّر قضية «الإخوان» بالحجم الذي اتخذته في مصر، وخارج مصر، عن استمرار أزمة الحكم في العالم العربي، وأن هذه الأزمة هي المصدر الأول لتعثّر نمو الدولة العربية، وما ترتب عليه من انفجارات مدمرة انتهت إليها الثورات العربية، ودخلت بسببه إلى حالة من الانسداد الفكري والسياسي.

هنا نتوقف ونتساءل: هل ذلك هو كل شيء؟ لحسن الحظ يبدو أن ما كان غير قابل للتحقق بدأ يتحقق شيء منه على الأقل. فاليوم هو الثاني من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وغداً تبدأ زيارته الرسمية للرياض. اليوم (الأحد) أيضاً يصل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى الرياض. هل هذه مصادفة أم ترتيب مسبق؟ لا يبدو أنه سيكون هناك اجتماع بين الرئيسين في العاصمة السعودية.

لكن وجودهما في اللحظة ذاتها قد ينطوي على شيء. في كل الأحوال تمثّل زيارة الرئيس التركي تحولاً في الموقف السعودي في الاتجاه الصحيح، وستكون خطوة أولى إلى تغير متوقع في المواقف السياسية لأكثر من دولة في المنطقة. وفي الأخير أسمح لنفسي باستعادة ما ختمت به مقالتي هنا العام الماضي عما اعتبرته حاجة ملحة لمثلث سعودي- مصري- تركي، وذلك بالقول إن هذا المثلث «يمثل في الظروف الحالية حاجة استراتيجية للأطراف الثلاثة. فهي أطراف تتكامل في ما بينها (سياسياً واقتصادياً)، والتنسيق بينها... سيعيد إلى المنطقة شيئاً من التوازن بعد سقوط العراق وسورية، إلى جانب أنه سيشكّل حاجزاً للدور الإيراني المدمر...

ومنطلقاً للتأسيس لحالة من الاستقرار في خضم المرحلة المضطربة حالياً» («الحياة»، 13 كانون الثاني/ يناير 2014). هل تتزحزح مصر ولو قليلاً في الاتجاه الذي بدأته السعودية الآن؟

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
01-03-2015 04:08 PM

الحل الحقيقي لمصر ان تتعاون وتتحالف مع ايران دوله اسلاميه قويه ولها مستقبل وبذالك تتخلص من الوهابيه والسلفيه وتوابعها

2) تعليق بواسطة :
01-03-2015 04:15 PM

.
-- عندما حاول رئيس الوزراء الاسلامي التركي عدنان مندريس تحويل تركيا كتابع لامريكا اعدمه الجيش , اردوغان كان اذكى فإنتصر بالجيش لإحباط الانقلاب السعودي الامريكي علية بواسطة فريق فتح الله غولن .

-- اهم حدث سعودي هو إبعاد الامير بندر الذي قدم المصالح الامريكية على السعودية وساهم في توظيف وهابية مسلحه غير منضبطة خارج السعودية فإستعدى عسكريا ضد السعودية قوى إقليمية مؤثرة في ايران و سوريا و لبنان و العراق و اليمن و قوى دولية كروسيا

يتبع :

3) تعليق بواسطة :
01-03-2015 04:33 PM

تكمله
--السعودية الآن بحاجة لتركيا خاصة بعد فتح جبهة اليمن في خاصرتها الضعيفة واقصى ما ستحققه هو تخفيف للتوتر و لا عودة مطلقا للتحالف فسياسة تركيا الخارجية اصبحت تحت حكم الجيش العلماني الاقرب لروسيا و ايران

-- اردوغان خدعه الامريكان فشجع اخوان مصر على استلام الحكم و التفاهم مع امريكا ليكتشف ان امريكا ارادتهم مرحليا لكنس الطريق امام السيسي ثم البطش بهم

-- و سيفشل السيسي بالقضاء عليهم لأنهم و إن كانوا ضعافا بالحكم لأنه ليس مربعهم لكن الشارع هو مربعهم الذي فشل العسكر في كسره لستون عاما

يتبع

4) تعليق بواسطة :
01-03-2015 04:54 PM

تكملة:

-- و نعود لليمن فقد يكون الحوثيون هم من سهل هروب الرئيس الجنوبي الاصل لترسيخ الانفصال الذي ينادي به الجنوب ليتفرغوا لترسيخ أهم تغيير بالنفوذ الدولي والاقليمي بالمنطقة منذ الثورة الايرانية

-- الجيش التركي لا يريد سقوط الاسد و لا استفزاز خمسة عشر مليون علوي تركي لدية و مشروع داعش لدولة سنية بدوية جديدة تربط السعودية بتركيا سقط بتغير الموقف التركي ووقوف الأكراد ضد المشروع و تراجع الاخوان عن السعي للتفاهم مع امريكا و عودتهم للمظلة البريطانية التي لا تريد سقوط الاسد

المطلوب هو الحكمة
.

5) تعليق بواسطة :
01-03-2015 06:40 PM

العلاقة بين مصر وما يسمون حكام الخليج اصبحت علاقة بين طرف ذكي خبيث يعرف من اين تؤكل الكتف وطرف آخر ساذج -- على نياته -- طرف يأخذ ولا يكتفي وطرف يعطي ولا يعرف ما عاقبة هذا العطاء ,

6) تعليق بواسطة :
02-03-2015 08:24 AM

سيبقى الاكراد شوكة في حلق اي تقارب تركي عربي

7) تعليق بواسطة :
03-03-2015 02:14 PM

ان الامن القومي المصري هو مع سوريا وليس مع النظام السعودي ،لان النظام السعودي
عبر تاريخه لم يكن يوما مع مصر من وقوفه في وجه توجهات الراحل جمال عبد الناصر القومية ولغلية الآن ،لنستعرض مواقف السعودية بشكل عام من القضايا العربية ابتداءا من قضية فلسطين الى المقاومة الفلسطينية او اللبنانية او اي قضية عربية ،المواقف السعودية مرتبطة بالعم المالي لشراء مواقف وليست لبعد قومي ،ان سقف السياسة السعودية تتمحور حول خدمة اجندات الولايات المتحدةفي المنطقة واولها الامن الاسرائيلي
وهذا يعني ان سياسة السعودي

8) تعليق بواسطة :
03-03-2015 04:43 PM

هذا التحليل الموجز لقضايا كبيرة معقدة يدل على عقلية فذة ودُربة استخبارية متقدمة من خلال ايجاز حدث دولي متشعب الاطراف،مترامي الحدود الجغرافية،مختلف الاهداف بين دول ان لم تكن متناحرة فهي متباغضة،بشرط اسقاط اللغة الدبلوماسية...اجدد احترامي لشخصكم البالغ التهذيب التي ترتسم على كلماته المسحة الانسانية وفروسية النبلاء...بسام الياسين

9) تعليق بواسطة :
04-03-2015 12:11 AM

.
-- سيدي الاخ الفاضل الاستاذ بسام الياسين , شهادة كبيرة من كبير أعتز بها فلكم الشكر و المودة و الاحترام .

.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012