أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


صندوق التنمية والتشغيل يحارب التنمية والتشغيل

بقلم : طارق الحايك
25-03-2015 09:39 AM
حين تراجع أي دائرة حكومية تشعر أن من وضع أنظمتها وتعليماتها شخص اعتكف في 'صومعة' كي يبدع ويتفنن في تعقيد البشر، خاصة حين تجد أن معاملة لك في دائرة معينة تضطرك لمراجعة نصف مؤسسات البلد، لتحصل على موافقة من هذه وتوقيعاً من تلك واستشارة من ثالثة وعدم ممانعة من أخرى.!
ومن الامثلة الواضحة على هذه المأساة صندوق التنمية والتشغيل، الصندوق الذي لا تمت تعليماته ولا آلية تطبيقها ولا معاملة موظفيه مع المراجعين لإسمه بأية صلة، فحين تدخل الصندوق فإن أول ما ستلمحه هي لوحة ارشادات تطلعك على الاجراءات المتبعة للحصول على القرض والفترة الزمنية التي يتطلبها ذلك، والموضوع على اللوحة جميل جداً، إذ إن الاجراءات على كثرتها غير معقدة ولا تتطلب جهداً عظيماً، بل هي ضمن الحد المعقول للإجراءات الروتينية المعمول بها في 'دول العالم الثالث'، ويظل هذا الانطباع برافقك حتى بعد جلوسك للمرة الأولى عند موظف الاستقبال الذي لا يكلف نفسه عناء النظر إليك وهو يخرج ورقة مطبوع عليها شروط الحصول على القرض والأوراق اللازمة لتقديم الطلب، فيقوم بتعديل المتطلبات بقلمه حذفاً وإضافة، كون التعليمات المطبوعة أصبحت قديمة وتم تعديلها، (ربما قضية طباعة ورقة تعليمات جديدة إجراء يحتاج إلى عطاء وموافقة مجلس وزراء)، ما علينا..
قبل أن تغادر الموظف تسأله عن الفترة التي تستغرقها إجراءات الحصول على القرض، فيجيبك بأن الموضوع يحتاج نحو ثلاثة أسابيع، طبعاً شرط أن 'تحضر كافة الأوراق المطلوبة' كما يؤكد عليك وهنا تكمن العقدة.
تعود في المرة الثانية وقد أحضرت الأوراق المطلوبة فيعطيك الموظف كتاباً لمركز تعزيز الانتاجية (إرادة) يطلب الصندوق فيه إجراء دراسة جدوى اقتصادية للمشروع الذي تسعى للحصول على القرض لتنفيذه، وهنا تبدأ أولى العقبات، فالصندوق يشترط الحصول على دراسة جدوى اقتصادية من (إرادة) حصراً، وباعتبار أن إرادة تتولى إجراء دراسات جدوى اقتصادية لكثير من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية الأمر الذي يشكل عليهم عبئاً وضغطاً كبيراً، فيجب عليك أن تنظر مدة لن تقل عن شهرين للحصول على دراستك إلا إن وجدت عندهم صديقاً أو قريباً يعطي دراستك أولوية.
وأنت تحمل دراسة الجدوى خاصتك بعد طول انتظار سعيداً بالحصول عليها لن تلقي بالاً لـ 'الثلاثة أسابيع' التي تحدث عنها الموظف والتي أصبحت 'ستة أسابيع' لأنك تظن أن الموضوع شارف على الانتهاء، لكن لن تلبث أن تعلم حين وصولك الصندوق أن معاناتك بدأت الآن؛ تحديداً بعد تسليمك لدراسة الجدوى، إذ تطلب منك مجموعة من الأوراق من عدد من المؤسسات الحكومية، وهو أمر مفهوم، لكن الذي يحصل أن هذه الأوراق تطلب منك بالتقسيط، فحين تحضر ورقة من مؤسسة الضمان الاجتماعي، يطلب منك أن تعود وتحضر كتاباً من أمانة عمان، وعندما تحضر الكتاب يطلب من العودة إلى وزارة الصناعة والتجارة، وهكذا مع أنه يفترض أن تطلب منك هذه الوثائق دفعة واحدة، وحين تستكملها جميعاً يطلب منك أن تراجع بعد بضعة أيام حتى تكون 'اللجنة' قد اجتمعت لتقرر اعتمادها ـ أي الدراسة ـ ، وتمتد هذه الأيام الثلاثة لتصبح أسبوعين وربما أكثر، مع أن اللجنة مكونة من المدير العام ومساعديه الموجودون جميعهم ضمن مبنى الصندوق، وبعد أن تقرر اللجنة يُطلب منك عقد إيجار لموقع المشروع، وبعد تقديمه ييطلب منك انتظار مكالمة للكشف الأولي على الموقع الذي يقال لك أنه سيكون خلال اسبوع، ولكنك ستنتظر اسبوعين كي يأتيك اتصال مفاجئ من موظف في الصندوق يقول لك (دون سابق إنذار) أنا في الطريق إلى الموقع للكشف، وطبعا عليك أن تصل قبله، فإن كنت خارج المدينة على سبيل المثال أو مشغول لسبب أو لآخر ولم تتمكن من الحضور فوراً فعليك أن تنتظر زيارة أخرى ستتم برمجتها خلال أسبوعين آخرين.
بعد الكشف على موقع المشروع يبدأ الجزء الثاني من رحلة الحصول على القرض، فتصطدم بموضوع ضمانات القرض، فهم يطلبون كفيلاً يجب ان يكون موظفاً يفوق راتبه ضعفي قيمة قسطك الشهري، وهذا يعني أنك إن كنت تسعى للحصول على قرض بقيمة 20 ألف دينار مثلاً فأنت بحاجة لـكفيل راتبه الشهري 700 دينار كحد أدنى، أو أن ترهن عقاراً قيمته ضعفي قيمة القرض، وهو أمر على صعوبته قد يكون مفهوماً، لكن المشكلة لا تنتهي هنا، إذ بعد أن تفلح في تلبية مطلبهم هذا يطلبون منك كفيلاً عائلياً (غير ذاك الذي سيكفلك براتبه) هو من سيتسلم المبلغ بعد صرفه، وآخر يوقع لهم شيكات بنكية بقيمة القرض، وثالث يكون موظفاً حكومياً يحضر لهم كشفاً برابته الشهري (دون اقتطاع) الهدف منه تعزيز الضمانات كما يقولون، وهذه الأمور والكفالات جميعها لو توفرت لشخص واحد ما كان بحاجة لقرضهم.!
تتوجه إلى أحد معارفك ممن 'يمونون' على المدير العام ولهم عنده حظوة فيقرر عطوفته مساعدتك ويلغي بعض الكفالات 'التعزيزية' طالما أن الراتب والعقار يغطيان قيمة القرضة، مع أن (موظف الاستقبال ورئيس قسمه ومديرهم أخبروك في وقت سابق بأن الراتب والعقار غير كافيين لمنح القرض المطلوب كاملاً وأن ما ستحصل عليه هو 70% من القرض الذي تسعى للحصول عليه) فلا يبقى عليك سوى أن تنتظر اجتماع اللجنة مرة أخرى كي تقرر صرف الدفعة الاولى من القرض (كاملاً) بعد الواسطة، وهذه اللجنة كما عرفتم سابقاً ستحتاج إلى أسبوعين آخرين كي تجتمع وتقرر.
وحين تقرر اللجنة صرف الدفعة الأولى يطلبون منك التراخيص والموافقات الحكومية اللازمة لبدء مشروعك كي يقوموا بتسليمك الدفعة الأولى، مع أن الأصل أنك تريد القرض كي (تبدأ) مشروعك، والمشروع يبدأ من التراخيص والموافقات، وهي أمور تكلف مبالغ مالية مرتفعة، والحجة طبعاً أن القرض لا يغطي تكاليف التراخيص والموافقات الحكومية وأنها يجب ان تكون ضمن مساهتمك في المشروع، وهو ما ينطبق أيضاً على المكتب الذي يلزمونك باستئجاره قبل الحصول على القرض باعتبار أن القرض لا يشمل إيجار الموقع، وإذا علمت أن القرض لا يغطي رواتب العاملين في المشروع أيضاً فيكون التساؤل المطروح: ماذا بقي من تكاليف المشروع كي يغطيها القرض سوى الأثاث والاجهزة؟!
وأكثر مما يلفت النظر خلال هذه الرحلة التي قد تمتد لثلاثة أشهر (المفترض أنها ثلاثة أسابيع)، هي الفوقية الشديدة التي يتعامل بها الموظفون مع المراجعين وازدرائهم لهم بشكل غير معقول، والسر وراء هذه المعاملة أنهم يتعاملون مع طالب القرض على أنه 'متسوّل' وليس طالب قرض يسعى لإنشاء مشروع يعتاش منه ويشغّل معه عدد من أبناء البلد من العاطلين عن العمل.
والأمر الآخر الذي تلاحظه هو عدم المعرفة الكافية من موظفي الاستقبال بالتعليمات الجديدة للحصول على القرض، فتجدهم يسألون بعضهم البعض عن شرط معين ليجتهد أحدهم بإجابة ما تلبث ان تكتشف عند مراجعتك للقسم المختص أنها إجابة خاطئة لتعود إلى ذاك الموظف مرة ثانية وثالثة وعاشرة كي تتوثق من صحة الإجراءات والشروط والوثائق المطلوبة.
الأمر الأخير الذي ستلاحظه هو أن موظفاً يدعى 'أبو شمس' تستغرب من إصراره على احتكار نقل المعاملات من موظف لآخر ومن مكتب لآخر (بحجة سرية الملفات والخوف من فقدانها)، فترى المعاملة التي لا يتطلب نقلها من موظف لآخر أكثر من دقيقة قد تستغرق ساعة كاملة، وأن معاملة تحتاج توقيعاً في قسم كي تذهب لقسم آخر تحتاج أسبوعاً أو يزيد، وبالطبع كل ذلك من خلال 'أبوشمس' الذي إن لم ‘’تكسب ودّه’’ بطريقة أو بأخرى فإن معاملتك قد تضيع بين المكاتب.
الصندوق يقول إن رؤيته تتمثل في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة للفقراء والباحثين عن العمل للمشاركة في الحد من البطالة والفقر وتعزيز التنمية المستدامة، إلا أن تعليماته وآليه عمله وأسلوب تعاطي موظفيه مع طالب القرض تقول العكس تماماً، ولذلك إذا كانت هناك رؤية جادة في التخفيف من حدة الفقر والبطالة فيجب إعادة النظر في تعليمات الصندوق وإجراءات الحصول على القرض وتيسيرها ما أمكن، والأهم من ذلك إعادة تأهيل الموظفين وانتزاع فكرة المقترض 'المستوّل' من رؤوسهم، وأخيراً وهو الأهم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012