أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


هل تعافت اليابان؟!

بقلم : د. أيّوب أبو ديّة
26-03-2015 09:59 AM
طالما اعتقدت ان اليابانيين شعب ملتزم ومحترف في عمله رفيع الخليق امين يحب وطنه ومرؤوسيه ومن هم اكبر منه ويحترمهم. وعندما دعيت للمشاركة في مؤتمر الامم المتحدة لخفض مخاطر الكوارث في مدينة سانداي باليابان وايضتا للمشاركة في نشاطات المجتمع المدني في مقاطعة فوكوشيما المنكوبة بانفجار مباني المفاعلات النووية وأنصهار قلوبها في الحادي عشر من آذار لعام ٢٠١١، وبمناسبة انقضاء سنوات اربع على الكارثة، سنحت لي الفرصة للاطلاع عن كثب على هذا الشعب العظيم الذي لم اجد مثيلا له في البلدان الكثيرة جداً التي زرتها في حياتي. فما الذي يجعل منهم مميزين الى هذا الحد؟
لا يمكن تصور احترامهم لبعضهم البعض وطريقة التعبير عنه بالانحناء طورا وخفض الصوت تارة والابتسام حينا اخر. الانسان الراجل في شوارعهم مقدس له كل الاهتمام في الطرقات وله الأولوية في عبور الشوارع من الاماكن المخصصة وبشكل تام لا يسمح بالاجتهاد به في هذا المقام. والتعويضات المادية التي يدفعها المتسبب بالحادث هائلة وعقاب السائق يستمر لسنوات طويلة. لذلك ليست هناك حاجة لاستخدام المنبه في المركبات كما نفعل بذلك ونفرط.
ولا يمكن تصور حدوث صياح او عراك بين السائقين بل تراهم يتسابقون بإعطاء الأولوية لبعضهم البعض على المنعطفات والتقاطعات. فيتسابقون بايمائة تتمثل في انحناء الرأس احتراما فيبادر السائق المقابل له بالحركة مع انحناءة شكر تقابلها وتزيد عنها انحناء.
وفي المناطق المنكوبة التي تم تهجير اهلها حتى الان والتي مازالت الإشعاعات مرتفعة فيها والتي تقع في ضمن دائرة نصف قطرها عشرين كيلومترا وضعت حراسات مشددة عليها والجميع يلتزم بذلك. وكذلك الحال في المناطق الاقل خطرا يسمح بزيارة المنازل ولكن يمنع النوم فيها منعا باتا لعدم التعرض للاشعاعات لفترة طويلة. والجميع ملتزمون بأوامر الحكومة وفي انضباط لا مثيل له وإتقان في اداء الواجب لا مثيل له أيضاً. وبالرغم من ذلك وقعت الكارثة. واغلب الناس بعد انتشار الاشعاعات لم يعودوا بعد الى المناطق التي تم تنظيفها بالرغم من مناشدة الحكومة المستمرة وذلك نتيجة الرعب النفسي والقلق المستمر من عدو لئيم يقبع في اراضيهم لا لون له ولا طعم او رائحة.
لعق اليابانيون جروحهم من اثار الزلزال والموجات البحرية التسونامي ومن الإشعاعات النووية مجتمعة وشرعوا في البناء من جديد. زرنا مناطق منكوبة اكتشفوا فيها ان زراعة المواد الغذائية الأساسية لحياتهم غير ممكنة فاكتشفوا ان زراعة القطن ممكنة ولا ينجم عنها اي محصول ملوث. فبداوا يصدرونه الى مناطق بعيدة ومقايضته بالغذاء. هذا الشعب قد بدا يتعافى من جديد من دون ان يتذمر او يلقي اللوم على احد.
في اغلب المناطق الملوثة شرعوا في تخزين التربة المشعة في حاويات سوداء بلاستيكية مخلوطة بالرصاص لمنع نفاذ الاشعاعات يزن كل منها طنا واحدا. يجمعونها في اماكن متفرقة يحظر الدخول اليها وما زالوا لا يعرفون كيف سيتخلصون منها. اما النفايات المتوسطة ومتدنية الإشعاع فباتوا على وشك إنجاز مصانع ضخمه لحرقها. وهناك حركات من المجتمع المحلي ما زالت تعارض ذلك خوفا من انتشار التلوث.
وبعد اكثر من اربع سنوات على الكارثة ما زالوا يؤسسون المختبرات وما زالت تصلهم معدات قياس الإشعاعات المختلفة من فنلندا والولايات المتحدة وألمانيا وغيرها من الدول المتقدمة. بعض الفحوصات على إشعاعات ألفا ما زالت غير ممكنة وذكروا انهم سوف يبداون باستقصاء إشعاعات جاما قريبا.
اليابان تتعافى ولكن ببطء شديد ولكن ما يثلج الصدر ان السيد محافظ مدينة ميناميسوما التي تقع على بعد ٢٥ كيلومترا من المدينة قال لنا ان ٢٠٪من السكان عادوا وقد قطعوا عهدا على انفسهم ان تصل الى مئة بالمئة مساهمة الطاقة المتجددة بحلول عام ٢٠٣٠. ابلغونا سلاما حارا للأردن ولسيد البلاد بخاصة لإرسال بعثة طبية على جناح السرعة بعد الكارثة وقالوا لن ننسى أفضال الاردن السباقة الى المساعدة وبخاصة عندما زرنا اعضاء في مجلس الشعب وممثلين عن بعض الوزارات. عندها شعرت بافتخار انني عربي واردني في زمن لم نعد نعرف كيف ينظر الناس إلينا ونحن نقتل بعضنا بعضا.

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
26-03-2015 11:37 AM

رد من المحرر:
شكرا لك

2) تعليق بواسطة :
26-03-2015 01:28 PM

الشكر للكاتب استطعت ان تستفز الوطنية بمشاعرنا لانك قلت لنا ان المبادرة النووية الاردنية ليس لها داعي ابدا و اشعرتنا بالفخر باردنيتنا كوننا لا نبخل بالمساعدة لمن هم اصدقاء و داعمين لهذا البلد.

3) تعليق بواسطة :
27-03-2015 09:45 PM

تصوروا ان هذا المقال أرسلته للرأي لنشره من اليابان قبل أسبوعين ولم ينشر

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012