بقلم : الدكتور سالم عبدالمجيد الحياري
20-04-2015 11:39 AM
تلجأ الدول والأنظمة إلى الشعارات لتسويق فكرة جديدة أو لتنفيذ سياسة آنية أو لاحقة، سواء داخلية أو خارجية، لإقناع الرأي العام المحلي أو العالمي بضرورة فعل ما ضد دولة أو ضد مجموعة أو مجاميع تعتبرها خطراً على أمنها القومي. هذا ما تفعله الدول الكبرى، أما الشعارات في الدول الصغيرة فهي لتمرير سياسة أو قرارات محلية. ليس بالضرورة صحة الشعار وأهدافه، أو أن يكون ذو نوايا حسنة ما زال يحقق الهدف.
لمَّا قررت إدارة بوش احتلال أفغانستان وتقويض الدولة العراقية ومحاربة الإسلام بعد تفجير البرجين المبرمج، أطلقت شعار 'محاربة الارهاب'، كما أطلق أوباما شعار' التغيير' بحملة الحزب الديمقراطي للرئاسة. هذه أمثلة لدولة كبرى وفي أعماق التاريخ كانت الشعارات تُطلق حتى مع نشوء الدول . أصبحت الدول الصغرى و الدول التابعة أيضاً تطلق الشعارات لأهداف أكثرها محلية، إما لإلهاء الشعب بها أو لخلق قضية جدلية على طريقة ' البيظة من الجاجة ولّا الجاجة من البيظة'، لتمرير قرار خطير يمس مستقبل البلاد أو مستقبل السكان الأصليين، خاصة إذا كان النظام الحاكم نظاماً وظيفياً وليس نظاماً وطنياً أو نظاماً يأتمر ' بقرارتة' من قوة إقليمية أو دولية. مرات كثيرة يكون الشعار لذر الرماد بالعيون أو ' الضحك على الذقون' كما هو الحال بالدول العربية . الأردن ليس استثناءً، فمنذ عقود تطلق الحكومات وبعض مؤسساتها شعارات وتتحمس لها ويوجه الإعلام المحلي الرسمي والمسمى بالخاص لتسويق الشعار، ومرات كثيرة بطريقة مبالغ بها بل وأحياناً بأسلوب ممجوج يجعل الشعار يأتي بغير المطلوب، ولعل بعض القائمين على التنفيذ يقلدون أو يسيرون على خُطى ' غوبلز' وزير الإعلام النازي !!!! أو هكذا يعتقدون، والذي يقوم على قاعدة ' اكذب اكذب اكذب فلا بد بالنهاية أن يصدقك أحدهم '
لنستعرض بعض الشعارات وحسب الذاكرة ودون التقيد بالترتيب أو بالتاريخ من : ' عمان أمنا '، ' ارفع رأسك أنت في عمان '، ' ارفع رأسك أنت أردني '، ' أهل العزم '، ' الأردن أولاً '، ' أردن أخضر عام 2000 '، ' الإنسان أغلى ما نملك '، 'كلنا الأردن '.....الخ.
إنها شعارات جميلة ولكن كم هي مطبقة على أرض الواقع؟ وهل أتت بثمارها أو حققت الهدف؟
وماذا عن ما يسمى بالمبادرات ؟
معنى مبادرة باللغة هو السبق إلى اقتراح أو تحقيقه لم يكن موجوداً من قبل. أما في الحرب فمبادرة تعني أن يسبق قائد جيش قائد جيش العدو إلى خطة حربية تمكنه من الانتصارعليه. يقال بادر صاحبه إلى الجواب أي سبقه إليه . كم من المبادرات طُرحت بالعقد والنصف الماضيين، فلا نكاد ' نفيق' من ' مبادرة ' حتى تصطدم ناصيتنا بأخرى جديدة وكأننا في بازار للمبادرات. لنستعرض أيضاً بعضاً من هذه المبادرات وماذا حققت ؟ مبادرة 'أهل الهمة '، مبادرة 'مدرستي' ، مبادرة 'إدراك'، مبادرة ' انطلق'، مبادرة ' ارمح' ( أي' اركظ' باللهجة الاردنية )، مبادرة ' فكر أولاً، ' مبادرة 'تحقق'...... الخ
والأسئلة المهمة والتي لا يوجد لها إجابات حتى الآن: من يمول هذه المبادرات ؟ هل من حساب صاحب أو صاحبة المبادرة الشخصي ؟ أم من تبرعات شخصية ؟ وإذا كانت كذلك لماذا لا تنشر الأسماء؟ أم من خزينة الدولة ؟ هل من المنح التي تحصل عليها الدولة والتي تكون تحت تصرف وزارة التخطيط ؟ ونسأل : من يضع ميزانية هذه المبادرة أو تلك ؟ وهل تخضع هذه الميزانيات للإشراف والمحاسبة من قبل أي مؤسسة حكومية كديوان المحاسبة ؟
نعم للمبادرات والشعارات لو انعكست إيجاباً على الوطن الأردني والأردنيين، و كيف نصدقها وحياة الأردني من سيء إلى اسوأ ؟!!
تقول دائرة الإحصاءات العامة الأردنية : ارتفاع قيمة الفقر المطلق ( الغذاء وغير الغذاء ) لتبلغ1150 دولاراً سنوياً، أي 65 ديناراً شهرياً للفرد. أما الفقر المدقع ( الغذاء فقط ) فهي 500 دولاراً سنوياً، أي حوالي 30 ديناراً شهرياً للفرد .
في العصر الأموي أظهر الخلفاء شعار ما سمي بـ ' الجبرية ' لتثبيت أركان حكمهم المهزوز في أواخره، وجعلوا مواليهم وخصيانهم وسحيجتهم ينشرونه بين العامة، والجبرية اعتبرت كل شيء مقدراً على الإنسان ومن هذه المقادير وجود الحاكم في السُلطة.
كيف سيتفاعل الأردني مع الشعارات والمبادرات وهو يرى مناطق كاملة في وطنه منسية بالكامل، مدارسها آيلة للسقوط ونسبة الأمراض الناتجة عن سوء التغذية بارتفاع مستمر وتعيش الآفات مع مجتمعات كاملة، بينما تُستقبل مُمثلة هابطة بالمستوى الأخلاقي ويحتفى بها من ' أعلى' المستويات وكأنها مكتشفة عنصر الأوكسجين، كيف سيصدق الأردني المبادرات وهو يرى بأم عينيه الفاسدون يسرحون بطول البلاد وعرضها، واعتبار المنصب العام إرث شخصي خاص بالعائلة. كيف سيصدق وهو بوطن استبيحت سيادته من الأغراب وتجار بيع الجنسية الوطنية وأُعطِيت للصقالبة والبرامكة الجدد والموالي. كيف سيصدق الأردني ما تدعيه المبادرات والشعارات والاقتصاد يتردى كل يوم أكثر من سابقه مع جهات رسمية تكذب عليه كل يوم أكثر من سابقه ومع مديونية تقصم ظهر الأردني، كيف سيثق الأردني بهذه المبادرات وبأصحابها وقد بيعت مؤسسات الدولة السيادية بثمن بخس مع المشاريع الوهمية وعدم الإنجازمع الوعود الكثيرة بالإصلاح ومحاربة الفساد. كيف يثق الأردني بالشعارات والعمل جار من النظام على تجفيف منابع الهوية الوطنية الأردنية مع تعويم الهوية الفلسطينية وتمييعها كمرحلة لإلغائها وذلك بالتسهيل المبالغ به بإعطاء جوازات السفرالمؤقتة للفلسطينيين للتدرج بمنح الجنسية لهم . مع كل هذه المبادرات والشعارات زاد الغني غنى وازداد الفقير فقراَ. ووضحت سياسة ضرب العشائر الأردنية ببعضها البعض وحُملت وزر مشاجرات الجامعات، ووضعت سياسة تخريب التعليم الممنهجة، ومع زيادة حوادث القتل والاعتداء على الممتلكات العامة والترهل الإداري، بُرمج تعهير الوظيفة العامة مع تقوية سياسة إبعاد الأردني عن الانتماء للوطن. كيف نصدق المبادرات ونسبة البطالة وصلت 30% وبالأطراف 80%. مع كل الشعارات البراقة والمبادرات فارغة المحتوى، زاد توثيق العلاقة مع الكيان الصهيوني وأكثر مما يطلب هو نفسه، ولا ننسى اختزال الدولة بالعاصمة وليس كل العاصمة .
بعد كل هذا يطلبون من الأردني الوقوف في الطوابير لاستلام بضع دنانير بحجج فجة إمعاناً في إذلاله. سُئلت امرأة حرة ما الذل؟ أجابت :' وقوف الشريف بباب الدنيء ثم لا يؤذن له'
لن يصلُح الحال ما زال الإصلاح نظرياً والفساد مستشرياً والكذب الرسمي قائماً وإقصاء الشرفاء متعمداً، فليتوقف أصحاب الشعارات وليتوقفن صاحبات المبادرات. فقد ' زهقنا ' و ' هرمنا ' ونحن ' نسمع جعجة ولا نرى طحيناً ' ولا زلنا على رصيف الانتظار . يقول جان جاك روسو الفيلسوف الفرنسي قبيل الثورة الفرنسية : ' أعطني قليلاً من الشرفاء وأنا أحطم لك جيشاً من اللصوص المفسدين والعملاء '.
يقول وليام والاس بطل اسكتلندا للتحرر من حكم ملوك إنكلترا : ' كل الرجال يموتون ولكن في الواقع ليس كل الرجال يعيشون' .
الدكتور سالم عبد المجيد الحياري