أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


وهم الولاء والانتماء

بقلم : د. علي المستريحي
31-05-2015 10:16 AM
الولاء والانتماء في كثير من الدول النائمة العائمة كذبة كبيرة يطلقها بعض الساسة والكثير من المغرضين والمنافقين والمستفيدين والفاسدين وأصحاب المصالح الضيقة، وترددها وتروج لها العديد من أدوات الإعلام الرسمي الببغائي، ويصدقها الساذجون والجاهلون من كل الفئات السابقة وغيرهم إلا من رحم ربي !!

الولاء والانتماء يعيش ويترعرع ويظهر في أجواء نقية في الدول المطمئنة الراضية المرضية التي تحترم مواطنيها وتعمل بصدق من أجلهم.

عشت ما زاد عن ثلاث سنوات في احدى الدول الغربية، وكنت معايشا لحياة مواطنيها عن قرب، ومتابعا حريصا لإعلامها بمعظمه، لم أسمع يوما في قنواتهم المتلفزة أغنية وطنية واحدة ! حتى نشيدهم الوطني لا أكاد أذكر منه الآن الكثير ! ولكنني لمست بكل واحد خالطته أو قابلته المعنى الحقيقي للولاء والانتماء. أثبتت تجربتي أن الولاء والانتماء لديهم متأصل في سلوك السائقين بالشارع والمارة على الطريق والمرتادين لمحلات التسوق والدارسين بالجامعات والمدرّسين فيها والعاملين بالمتاجر وموظفي الحكومة في مكاتبهم والشرطة على الطريق وسائقي التاكسي والحافلات العامة وسيارات التقاط النفايات من البيوت .. الولاء والانتماء لديهم مجبول بكل ذرة ترابهم، ووجوده فيهم ليس ترفا أو زيفا أو نفاقا أو خيالا يعيش ويعتكف فقط بمدينة فاضلة .. إنه مزروع بصمت في ضمائرهم، منسوج مع خيوط ملابسهم، يأكل ويشرب معهم، يعشش بسلام في مخدة نومهم، ينام ويستيقظ معهم، يرافقهم كظلهم حيث حلوا أو ارتحلوا! للحق، تعلمت منهم دروسا عميقة في الولاء والانتماء كثيرا ما أجد صعوبة وتحدّ وإحراجا (وأحيانا عزلة) لممارستي لها في بلدي !!

لا زلت أذكر أنني عدت ذات مرة للأردن من سلطنة عُمان برا، سائقا، قاطعا طريقا طويلا بعد غياب سنتين، يكتسحني الشوق اكتساحا ! كنت طيلة الطريق أفكّر كيف لي أن 'أهجم هجما' محتضنا أول موظف أردني يصادفني في نقطة الحدود ! وعند وصولي صادفني صف طويل من المسافرين العابرين في حافلات سياحية، فتوجهت للموظف من خلال الشباك أسأله بأي مسرب أركن سيارتي. فنظر إلي وردّ: 'اركنها بـ ..، ألا ترى الدور؟'! فتراجعت خطوة للوراء واقفا مذهولا ساكنا مثل ظلي .. هذا الموظف الذي كان مشروع حلم اشتياقي طيلة رحلة العودة أراه يتبخر أمامي مثل دخان سيجارته التي كان 'يعضّها' عضا .. خطر ببالي للحظة أن أدير السيارة بالاتجاه المعاكس وأعود حيث كنت، إلا أنني أجّلت اشتياقي لما هو أفضل من هذا الموقف الذي اعتبرته استثناءً!! الغريب أنني لا زلت أقنع نفسي منذ ذلك الموقف قبل عشر سنوات بأن الأمر لا بد أنه كان استثناءا، وهناك حتما تجارب أفضل، إلا أن الصراع لا زال مستمرا والنتيجة ما زالت غير محسومة، فلا أنا اقتنعت ولا الحال تغيّر كثيرا !

الولاء والانتماء لا يقاس بعدد الأغاني 'الضاربة' الرائجة لعمر العبداللات ومتعب السقار وغيرهما (مع احترامنا وحبنا الشديد لهم جميعا كفنانين أصيلين مقدرين)، والتي تتغنى بالحب واللوعة والاشتياق الجارف لكل مؤسسة من مؤسساتنا، ولكل حارة من حاراتنا ولكل مطب وحفرة وانبعاج في شوارعنا ! بل يقاس بسلوك الفرد الذي يقطع الشارع ماشيا أو راكبا، يمسك علبة 'الببسي' الفارغة ليلقي بها في سلة للمهملات، لا أن يلقي بها على رؤس المارّة وتحت أقدامهم ! يقاس باحترام الإرتداد القانوني لبيته عن الشارع المحاذي له، لا أن يقضي ليله كله يفكر كيف يعتدي و'يطيح' على الشارع ليشعر بنشوة النصر (على نفسه!) ! يقاس بالالتزام بوقت العمل واحترام المراجعين، لا أن يقضي رمضان كله متسيبا غائبا عن عمله بحجة الوضوء والصلاة ! يقاس بتربية أبنائنا احترام معلميهم والمحافظة على مقدرات مدارسهم، لا تركهم كالمشردين بالشوارع 'ينكشون' المارة ويعبثون بحاويات القمامة ويستخدمونها كرة للعب بدحرجتها مرة و'دفشها' للانتقام منها والطرق عليها مرات ! يقاس بمدى الاحتفاظ بالكياسة واللطف أثناء القيادة على الطريق، لا ممارسة البلطجة والتجاوز المهين واستخدام منبه السيارة كلعبة مقيتة أو التوقف بمنتصف الطريق وإغلاق المسرب الوحيد المكتظ بالسيارات وجميعهم (المدخنون منهم وغير المدخنين!) ينتظرون تناول السائق المتوقف علبة سجائر؟! يقاس باحترام مرتادي الطريق أثناء 'الفاردة' أو عرس التخرج، لا 'العربشة' على السيارات، حاملين السكاكين والسيوف والبلطات وزجاجات المياه والتلويح بها لسالكي الطريق وتوعدهم بالويل والثبور والخزي بلا ذنب يذكر !!

الولاء والانتماء ليس قولا يقال، ولا شيئا يباع ويشترى ولا كنزا أو هدية تنزل من السماء أو دفينة تخرج من بين الصلب والترائب، توهب محض صدفة لعباد الله .. وهو ليس وعدا يمنح ولا خيالا زائفا يموت بأي زمان أو أي مكان .. الولاء والانتماء هو فعل وسلوك يعبر عن نفسه بالصمت، فلا يحتاج لمساعدة بعض الساسة المغمورين، والمنافقين والمستفيدين والفاسدين وأصحاب المصالح الضيقة، وبعض أدوات الاعلام الرسمي الببغائي، والساذجين والجاهلين ومن على شاكلتهم، كي يظهر للعلن .. يحتاج فقط لأن نؤمن بهذا البلد، ونعمل بصدق وصمت من أجله دون التواء أو زيف أو رياء .. عندها نجد الوطن يرفع رأسه عاليا جريئا واثقا ليقول فخرا: 'أنا أردني' !!

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
31-05-2015 11:03 AM

تحية لك يادكتور على المقال والسؤال عند رفع الرأس نجد رفع الاسعار هي البديل ولا تتناسب مع مستوى الدخل ومعيشة الاردني كما اننا نتعرض لسوء الاداره بالخصخصة وسيطرة المتنفذين على ثروات الوطن .والفساد وسوء معيشة 85% من الشعب وعدم وجود فرص عمل للشباب .وعلى سبيل المثال انظر الى محمد مهاتير كيف انقذ ماليزيا من استعمار البنك الدولي والان نسبة الفقر في ماليزيا صفر . وحسبنا الله ونعم الوكيل . وعاش بييان العسكر.

2) تعليق بواسطة :
31-05-2015 11:15 AM

لك السلام والتحيه يادكتور توقفت عند عبارة في مقالك (الولاءوالانتماءلايقاس بالاغاني الضاربه) واسمح لي ان اضيف ولا يقاس الولاء والانتماء بالخطب الرنانه التي تعج بعبارات المدح والولاء الزائف وكانها شعر شاعر يسعى لبقائه في المنصب خوفا من التغيير او الاقاله . شكرا لك . وعاش بيان العسكر .

3) تعليق بواسطة :
31-05-2015 11:58 AM

أحييك دكتور علي و أضيف إلى ما تفضلت به أنني عشت عشر سنوات في الغرب. إن الولاء لدى الغرب هو للإنسان و الجماعة التي تمثل "الوطن". الحياة الأفضل لكل مواطن هو هدف المواطنين و يؤمن الجميع بأن تحقيق مصلحة الجماعة يحقق مصلحة الفرد

4) تعليق بواسطة :
31-05-2015 12:16 PM

الولاء والانتماء ليس بياناً حكومياً ولا برنامجاً اذاعياً يذاع لاسماع الاغبياء والبسطاء والمساكين مثله مثل شعار الوحده الوطنيه الكاذب الفارغ من اي مضمون ولا يقنع الا شريحة البسطاء والمساكين ومتابعي المسلسلات التركيه الذي ثبت بطلانه وتوضحت الاهداف من ترويجه واسرار التمسك به.

5) تعليق بواسطة :
31-05-2015 02:45 PM

ومن على شاشة هذا المنبر الشفاف الحر الله الوطن الملك اللهم قيم النفوس لما تحبه وترضاه لخدمة هذاالوطن والمواطن

6) تعليق بواسطة :
31-05-2015 06:10 PM

الولاء والانتماء ليس بالسحجه ولا الدحيه ولا الهتاف .الولاء والانتماء يعني الاخلاص بكل شيى ودونما رقيب الا الله .قال رسول الله عليه افضل صلاة وتسليم يخاطب مكه :والله انك احب ارض الله لله وانك احب ارض الله الى نفسي .ان احببت الوطن والناس واخلصت كنت المثال المحتذى والقوه للاخرين .

7) تعليق بواسطة :
31-05-2015 10:47 PM

اذكر انه كان عندي ولاء وأنتماء قبل سنوات عديدة ماضية، وفقدت ذلك الولاء والانتماء عندما كنت في دائرتي موضع ازعاج لغير المنتميين والمواليين وكانوا ينظروا لي بعين الريبة والشك وأفكاري لاتطابق أفكارهم، ولأن افكاري نبتت بالتزامن مع نبت نوار الدحنون الاحمر الاردني وأفكارهم نبتت مع الاجبان البقرية، ولكي يجعلوني اقتنع ان الولاء والانتماء لايفيدني ولايجعلني اتقدم جاؤ بلص سبق وأن امسكته بالجرم المشهود وقدمته للعقاب فقام بنزع بنطالة وبدأ بتخليع وتنتيف شعر رأسة وجلس على الارض يبكي ووضعوه مسؤولاً عني وطلبوا مني اطاعة اوامرة واتباع توجيهاته فسرعان ماكفرت بالانتماءوالولاء؟؟؟

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012