أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


عبادة الدولة و الوهم

بقلم : ياسر المعادات
18-06-2015 10:59 AM
اجبر التاريخ الانسان على اعتناق اكثر من هوية تعبر عنه كفرد يعيش في مجتمع،فالهوية اصبحت تعد جزءا لا ينفصل عن تكوين الانسان وبغيرها لا يعود للانسان مكان في اي مجتمع كان.
تتعدد الهويات و تتنوع اتجاهاتها فمن هوية حضارية الى هوية دينية الى هوية جنسية الى هوية ثقافية....الخ،و لكن مع مرور الزمن اصبحت الهوية الاولى الاهم هي هوية الدولة التي ينتمي اليها الفرد،فهوية الدولة تشمل غيرها من الهويات و تعبر عنها جميعا في قالب شمولي عام،و مع مرور الزمن ايضا اصبح الانسان يلتمس الانتماء الى الدولة 'الوطن'- في نظره على الاقل- كحاجة غريزية لا تستقيم الحياة دونها.
الدولة ككيان ليست سوى وهما لازما للسيطرة على جموع بشرية في ارض ما بقوانين ما،فهي في النهاية ليست شيئا ملموسا يمكن التعامل معه بشكل مباشر،قد يكون هذا الوهم حاجة انسانية تعنى بتنظيم حياة الناس في المجتمعات و لكنه لا يصطبغ بصبغة الحقيقة المطلقة كما يريد من يمثل الدولة ان يوصل الناس اليه،لا اناقش هنا فكرة الاناركية و لا اطرحها كبديل للدولة بقدر ما احاول تسليط الضوء على صناعة الوهم للدولة الاله!
'مصلحة الدولة العليا،هيبة الدولة،التضحية من اجل الدولة،تحمل الاعباء الاقتصادية من اجل رفد موارد الدولة،الدولة تمر في ظروف سياسية صعبة تحتم هذه الاجراءات'،كل هذه العبارات النمقة المدغدغة للمشاعر الوطنية تسوقها السلطة باسم الدولة من اجل تعزيز الوهم بها و تحويلها الى الشيء المقدس الذي يبرر كل ما من شأنه سحق الانسان الفرد او التعدي على حقوقه الانسانية و حريته.
عندما تخرج الدولة من سياق كونها كيانا وهميا افتراضيا و تتحول الى اله فإنها تتحول بالتوازي الى سلاح ذو حد واحد في أيدي من يتحكم في السلطة و يدّعي تمثيل الدولة 'الاله'،و عبر هذا السلاح تتم السيطرة على وعي الشعب و توجيهه وفق المصالح الخاصة بجماعة 'السلطة' التي تتمتع بحق الهي في توجيه وعي الجماهير،و شيئا فشيئا يتم القضاء على مفهوم الوطن الذي يجمع البشر على الارض من اجل عدم مزاحمة هذه الدولة الاله،أو يتم دمج مفهوم هذا الوطن في ذات مفهوم الدولة الاله من اجل تعزيز السلطة المطلقة للدولة.
عندما تضفى صفة القدسية على كل تصرفات السلطة باعتبار تمثيلها لهذا الاله فإن الوعي الشعبي يرفض انتقاد هذه التصرفات او معارضتها كون هذا الانتقاد او هذه المعارضة تمثل تعديا على قدسية الاله و قدسية ممثله على الارض،و هو ما يوفر رادعا لأي حركة وعي تظهر للوقوف في وجه السلطة من قبل الجماهير ذاتها،فالدولة هي المسيطر الاكبر على وعي الجماهير و الموجه لمواقفها بعيدا عن اي منظومات اخلاقية او قيمية او اجتماعية سائدة،و هي امور تحول الناس حتما الى قطعان مارقة في التاريخ.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012