|
|
الفصيل الرابع
بقلم : د عودة ابو درويش
01-07-2015 10:34 AM أمرنا ضابط شعبة التجنيد ان نركب الشاحنة العسكرية, في اواسط شهر كانون الاول , وكنا اكثر من اربعين , في سن الشباب والفتوة , التصقنا ببعض بشدة كي تتسع لنا الشاحنة , بعضنا جلس على الحافة وبعضنا افترش الحديد في ارضية الشاحنة , واصحاب الحظ فقط , جلسوا على مقاعد خشبية , وضعت على عجل على جوانب صندوقها , وكان علينا ان نمضي اربع ساعات على الاقل , محشورين متلاصقين , لنصل الى الزرقاء , حيث مركز التدريب , والطريق الصحراوي ممل , والشاحنة بطيئة , والهواء البارد يضرب وجوهنا , ويلامس آذاننا , وكأنه يقول , ذهبت ايام الراحة وبدأ الجد . وصلنا الى معسكر التدريب , استقبلنا رقيب , اخذ قائمة اسماءنا , امرنا بالاصطفاف ,الامر الذي لم نحسنه , ولم يعجب الرقيب , واسمعنا كلمات كان علينا ان نتعود عليها في ايامنا القادمة , وبعد الفحص الطبي , استلمنا ثيابا عسكرية , ولا اخفي انني احسست بالفخر والزهو وانا البسها , واضع الطاقية (البورية) على راسي , وكنت أتمنى ان يكون في الفصيل الرابع الذي الحقوني به مرآة كي ارى نفسي بها . اخذ منا التعب مأخذه لما دخل الليل , ولم ندري كيف غططنا بنوم عميق , لم يقطعه الاّ صوت العريف ركاد , بعد منتصف الليل بقليل , يأمرنا وبلا رحمه ان ننهض من على اسرتنا ونرتدي اللباس العسكري مسرعين للخروج الى الميدان , الذي توافد اليه جميع الفصائل , ليعلن الجنود المستجدين الحرب على نوم لم يتمكنوا منه طويلا , ركضنا حول الميدان , وقع بعضنا ارضا بعد دورة واحدة , الاّ اننا جميعا ردت الينا القوة بعد ان اخذنا بالنشيد ( الله الوطن الملك ) واغان حماسية , كان بعضنا يعرفها وبعضها علمنا اياها العريف ركاد . وقبل ان يطلع الفجر , كان علينا ان نحلق شعر وجوهنا بماء بارد جدا يأتي من الصنابير في الحوض الذي يتوسط مهاجع الفصائل , وكم مر من السنين الاّ ان رائحة معجون الحلاقة لا يزال عابقا في انفي , ولما استطعنا ان نميّز وجوه بعضنا , الشمالية والجنوبية والوسطى , ابناء البادية والريف والحضر , ائتلفنا سريعا في عرى صداقة بعضها لم ينفك لهذه اللحظة , الم يقولوا ان صداقة الجيش اقوى صداقة , وبعد الافطار السريع في الميس كان علينا ان نعود لبرنامج سيكون يوميا من التدريب والتعليم والافهام لنا بأننا ابناء شعب واحد ودولة واحدة , واذا جاء وقت العشاء بعد المغرب قليلا كان علينا ان نخلد الى نوم عميق بعد تعب . ثلاثة شهور كانت كفيلة ان نتعلّم فيها معنى حياة الانضباط والاخاء والفداء والتضحية وحب الوطن , انتهت ليخبر احدنا الاخر بأحلامه بعد الخدمة العسكرية , وأجمعنا على ان الايام التي مرّت علينا في المعسكر , كانت من احلى ايّام حياتنا . لا ادري من الذي فكّر بإلغاء التجنيد الاجباري لخدمة العلم , ولكني اظنه قد اخطأ كثيرا .
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
|
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012
|
|